طاقة إبداعية لم تنعكس على النهاية
مريم الشحي.. توتر شعري بلغة معاصرة النواح حق انساني، لكنه ليس حقا روائياً الا اذا اريد له ان يكون صخرة سيزيفية تنزل الى الهاوية.
الكاتبة الاماراتية الشابة مريم مسعود الشحي تكتب بجو شعري وتوتر وحزن دائم وتدخل الى روايتها -بالاضافة الى الأسى الرومانسي الساحق- بعض لغة هذا العصر المعلوماتي. انها تحول كثيرا من صفحات الرواية الى "معارض" تدفع اليها اسماء شهيرة وغير شهيرة في الموسيقى والغناء والشعر والرواية والرسم وغير ذلك مما يؤدي الى شبه "انتفاخ" ثقافي لا لزوم له. رواية مريم مسعود الشحي الروائية والفنانة التشكيلية المولودة في رأس الخيمة في دولة الامارات العربية المتحدة والتي تعمل في مجال التمريض حملت اسم "انثى ترفض العيش" وصدرت في 110 صفحات متوسطة القطع عن دار الفارابي في بيروت وبلوحة غلاف للفنان التشكيلي اللبناني فارس غصوب. ولابد من ملاحظة سبقت الاشارة اليها وهي ان الكاتبة تكتب بتوهج شعري وإن كانت تختار حين "تتعمد" كتابة قصيدة ان تقيد نفسها بأغلال وأصفاد بوهم المحافظة على شيء من التقفية ومن الوزن احيانا. لكنها حين تكتب بعض فصول روايتها تبدو اقرب الى الشعر.. ولكن!!! انها تستطيع ان تكتب شعرا مؤثرا اذا تخلت عن هذه القيود وتركت لنفسها العنان كما تفعل احيانا وهي تقص. الافضل لها اما ان تكتب شعرا موزونا مقفى -او شعر تفعيلة كما يسمى- او ان تكتب قصيدة نثر. ان كتابتها القصصية شعرية الى حد بعيد لكن هذا القيد الذاتي الذي لا معنى له جعلها "لا هنا ولا هناك". ولعلها هنا تعكس سمات عند كثير من شعراء جيل الشباب العربي الذين لم يتضح لهم الفرق بعد بين الانماط الشعرية المذكورة. وهي كما يبدو للقارىء مع شيء من "التحفظ ووقف التنفيذ" كما يقال قضائيا تعكس ما يسمح لها بكتابة قصصية جيدة شرط ان تتحرر من قيود ربما كانت اشد من تلك التي قيدت نفسها بها في كتابتها التي تتسم بأجواء شعرية. هذه القيود هي عمليا الجمود وعدم الحركة.. التوقف عند حدث او احداث قليلة جدا مما "يخنق" الرواية ويجعل نموها معدوما او فلنقل يجعله نموا يشبه حلوى "غزل البنات" اي انه طيب المذاق عامة ومنفوخ منفوش يوحي بالكثرة والحجم والامتداد لكنه بعيد عن ذلك. وإذا كان قد قيل قديما ان "الرسالة تقرأ من عنوانها" فبعض الاعمال ومنها روايتها ربما يقرأ قدر مهم منه من عنوانه. والعنوان هو كما ذكرنا "انثى ترفض ان تعيش". الامر اذن بكل بساطة هو على هذه الصورة. يختصر كل ما قالته الكاتبة -وهو مفجع مؤثر دون شك من الناحية الانسانية- بأن والدتها توفيت عند ولادتها وبقي لها والدها الذي وبعد سنوات سبع توفي هو ايضا بمرض السرطان. صارت تحت جناحي جدها والد ابيها. كان الجد في البداية يبدو شديدا وغير مبال. لكنها اكتشفت لاحقا مدى احساسه واهتمامه بمن يحب. لكن الامر لم يطل بعد هذا الاكتشاف. فقد توفي الجد ايضا. هناك تركيز شديد على مشاعرها نحو الاب وهذا متوقع. لكن الامر الذي يجب الا يتوقع وٍلا يبدو واقعيا بل ربما تحول الى ما يشبه الجو المرضي هو ان تدور الحياة وكل ما فيها على هذا الامر. صديقة ونسيبة لها هي سارة نصحتها باستشارة طبيب نفسي. معظم الكتاب نواح على الأب وهذا حق انساني ووضع بشري مفهوم. لكنه ليس "حقا روائيا" الا اذا اريد له ان يكون صخرة سيزيفية تنزل بالرواية الى الحضيض ويستمر الامر على هذا المنوال. ونصل الى قصة الحب المتوقعة. كانت بعد وفاة والدها بحاجة الى ان تتكلم مع احد.. الى ان تحب احدا ويحبها فيشدها الى خارج امواج الحزن. وكانت تتصوره وترسمه بصورة ابيها. كان يقول لها انها انثى حية ترفض العيش. الرواية تستمر في حالة واحدة: مشاعر محددة لا تتغير وأحداث قليلة تتكرر وتتكرر. ويتحول الامر الى "حفلة ندب" للميت وإعادة لنغمة تكاد تكون واحدة. الكاتبة تتمتع بطاقة إبداعية لكن هذا لم ينعكس على النهاية. لقد كانت قادرة كما قد يتصور القارىء على ان تجعل من النهاية اكثر اقناعا وكان يمكن ان تطورها قصصيا فلا تجعل الامر لا يتجاوز جملة كتلك التي نستمع اليها وإلى مثلها في فيلم اميركي احيانا حيث تقول البطلة او البطل ان الموت يلاحقه او يلاحقها ولذا فهو سيبتعد عمن يحب كي لا يجلب له الموت. كل ذلك جاء فجأة في اسطر ختامية قليلة جدا بعد كلام كثير عن الحب وبعد رسائل الكترونية وهاتفية ولقاءات. من هنا نجد عنوان "انثى ترفض العيش" معبرا عن كثير مما فيها الا انها في الرواية بعد "رفضها العيش" تنذر نفسها للتمريض وتخفيف آلام الناس وللنسيان. الكاتبة قادرة على تأتي بما هو افضل.. ومن الجائر الظالم الا يقال لها ذلك بصراحة. |