عتيبة من 'فراخ العالم' إلى 'أسد القففاس'

46


استخدام الرمز والإسقاط



رواية 'أسد القفقاس' تتناول حياة الإمام شامل بن ذكاو إمام المريدين في الشيشان وداغستان، المولود 1799.


بقلم: حسام عبدالقادر

أتردد كثيرا عندما أريد كتابة مقال عن الأديب "منير عتيبة" لأن درجة الصداقة التى تربطنا تجعلنى متحيزاً له، لا أرى أي عيب به على المستوى الشخصي أو المهني ككاتب وقصاص، وأحب وأنا أكتب أن أكون محايداً على قدر استطاعتي.

إلا أن رواية "أسد القفقاس" الأخيرة لعتيبة جعلتني استثني هذه القاعدة التي وضعتها لنفسي صامتاً، فرغم أن هذه الرواية تدور في الشيشان وصراع الإمام شامل مع الروس، وهي أجواء خاصة جداً، إلا أنها ذكرتني مباشرة بأول مجموعة قصصية صدرت له وهي "يا فراخ العالم اتحدوا" والتي حملت اسم قصة من قصص الكتاب.

وقصة "يا فراخ العالم اتحدوا" لها حكاية فقد نشرت في جريدة الوفد في أواخر الثمانينيات، وكنا ما زلنا طلبة في الجامعة، وكان الفضل في ذلك للأستاذ والمفكر الكبير الراحل خالد محمد خالد الذي كان يشجعنا ويشد من أزرنا، وكان لا يتوانى عن تقديم كل أنواع الدعم المعنوي والمادي لنا في أستاذية نادرة قلما تتكرر.

الأستاذ خالد رأى الموهبة الأدبية في منير عندما قرأ له إبداعاته القصصية فقرر أن يشجعه وكان أول تشجيع له أن نشر له قصة "يا فراخ العالم اتحدوا" بجريدة الوفد، في وقت كانت فيه الصحف اليومية تعد على أصابع اليد الواحدة ولم يكن هناك صحف خاصة وقتها، وكان النشر في الجريدة المعارضة الأولى في مصر بمثابة انطلاقة قوية.

وعندما رأيت طريقة وضع القصة في صفحة الوفد بالعدد الأسبوعي، والمساحة التي أخذتها مع وضع لوحة تعبيرية رسمت خصيصاً للقصة، عرفت وقتها أن القصة حازت على إعجاب رئيس القسم الأدبي بالجريدة وأنه لم ينشرها مجاملة للأستاذ خالد، والدليل الطريقة التي وضعها داخل الصفحة وهي تفاصيل تأكدت لي أكثر عندما خضت مجال العمل الصحفي وعرفت تفاصيله.

أما لماذا تذكرت "يا فراخ العالم اتحدوا" وأنا اقرأ "أسد القفقاس"، فلأن عتيبة استخدم لغة واحدة رغم أن الأولى قصة قصيرة والثانية رواية، فالاثنتان بهما إسقاط على واقعنا وحالنا، فقد صور في الأولى واقعنا من خلال الفراخ الذين يريدون الثورة على واقعهم ورغبتهم في الاتحاد من أجل مبادئهم وتطبيقها، في تشبيه قريب إلى "كليلة ودمنة" واستخدام الحيوانات لتتحدث بما يريد الإنسان أن يقوله.

والثانية تتناول حياة الإمام شامل بن ذكاو إمام المريدين في الشيشان وداغستان، المولود سنة 1799، وتتلمذه على يد الشيخ سعيد الهركاني أكبر علماء عصره، ثم أخذه الطريقة الصوفية النقشبندية؛ التي كانت تحمل لواء العلم والجهاد في كل بلاد القوقاز، على يد الشيخ محمد أفندي اليراغي النقشبندي الذي أجازه، وجهاده ضد الروس طيلة 25 عاما، ووقوعه أسيرا في قبضة القيصر اسكندر الثاني، إلى وفاته سنة 1871 في المدينة المنورة ودفنه بجوار قبة العباس رضي الله عنه عم رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم.

لم يكن شامل مجرد زعيم عصابة جبلي كما يحاول أعداؤه أن يصوروه، وإنما كان حاكما يعمل في ظروف غير مؤاتية في سبيل وحدة القفقاس، وهو شخصية خلافية جدا، هو المجاهد الصوفي الإسلامي الكبير، وهو خارج على القانون وإرهابي. هو سادس الخلفاء الراشدين، وهو متسلط باسم الدين. حارب الروس لمدة ربع قرن، حقق انتصارات مبهرة بقوات قليلة، بنى دولة، ثم وقع في الأسر لعوامل كثيرة أهمها الخيانة وعدم قدرة الأتباع على مواصلة النضال.

يبدو الواقع القبلي الممزق المتخلف الذي عاشه وحاربه شامل أشبه بعالمنا العربي والإسلامي اليومي، لذلك حرص عتيبة على تناول حياة شامل بما يلقى الضوء على ما نعيشه الآن. وذلك من خلال رواية أصوات يتحدث فيها من أحاطوا بشامل من الأهل والأصدقاء والمنشقين والأعداء، ليس فقط ليوضحوا جوانب حياته المختلفة، بل ليكون الكاتب محايدا بقدر الإمكان؛ ظاهريا على الأقل، وهو يشير إلى ما سننتهي إليه الآن، كما انتهى شامل من قبل، الهزيمة والأسر وتشتيت شمل شعبه بددا.

يربط الكاتب في روايته بين الأندلس المحتضرة، وحال الشعوب الإسلامية في أوائل القرن التاسع عشر، وحال أمتنا الآن، فالأسباب واحدة والنتائج واحدة، وإذا لم نستيقظ فورا سنضيع للأبد.

إن استخدام الرمز والإسقاط عند عتيبة سمة أساسية في كتاباته الإبداعية وأحياناً أظن أنه لا يقصدها أو يقصدها. لا أعرف!
06


روضة الأصدقاء

'الغزالة' مجمع الأفكار والفلسفات بأسلوب شيق

الكيفية عند قاسم مسعد عليوة إبداع وعمق وايحاء وجمال ومتعة فنية تجذب فتجعل لكل كلام 'عقدة'.

بيروت – من جورج جحا

عمل الكاتب المصري قاسم مسعد عليوة "الغزالة" إذا ترددنا في وصفه بأنه "رواية" بالمعنى المألوف، هو ـ مهما تعددت الأسماء واختلفت ـ عمل سردي مميز في تقديمه لمحتواه الثري الذي يحمل إلينا كثيرا من التراث الإنساني الفكري والصوفي والأدبي.

وقبل أن البدء بقراءة هذا العمل المميز، قد يكون مهما أن نقرأ الصفحة الأخيرة، التي حملت كلمة الناشر (دار الهلال المصرية في نطاق "روايات الهلال") عن "الغزالة". إنها كلمة نقدية قيمة بحق ومكثفة.

قال الناشرون "بين يديك عزيزنا القارىء رواية تختلف عن الروايات التي ألفتها فهي تخلو من العقد التي طالما أجهدت نفسك من أجل تتبع خيوطها وإيجاد حلول لها أو مضاهاة الحلول التي أوردها المؤلف على المنطق أو قانون النص الروائي وحبكتها أيضا هي الأبسط بالقياس إلى الحبكات التي صارت من فرط نمطيتها مثيرة للملل والتثاؤب".

أضاف الناشرون عن شخصيات عمل قاسم مسعد عليوة "شخصيتان بشريتان احتكرتا مسارح الأحداث في الرواية.. معلم وتلميذ ومعهما غزالة لا تني تظهر وتختفي. غزالة ربما تشبه غزالة ابن عربي ومن لفّ لفه، لكنها في الرواية هذه تتمتع بصفات تجعلها أقرب إلى الحياة منها إلى الفكرة المجردة. شخصية المعلم هي محور الرواية ومركزها. شخصية تذكرك بـ (نبي) جبران خليل جبران، و(زراداشت) فريدريك نيتشه، و(حلاج) صلاح عبدالصبور، ومشاهير الصوفيين والمصلحين الإسلاميين، لكنها تختلف عن هؤلاء جميعا بعصريتها واهتمامها بالحاضر الآنيِ".


والواقع أنه مع أهمية ما ورد في الكلمة، فالرواية تحمل أكثر من كل ذلك بكثير. شخصية المعلم
والمريد الذي يسأله فيجيب هي أساسا مأخوذة عن معلم آخر "معلم أول" لجبران، وحتى لنيتشه وان بدا "عدوا" لهذا المعلم ألا وهو المسيح وتجواله مع تلامذته والأسئلة التي تبدأ بالقول "يا معلم" والأجوبة خلال ذلك.

نجح الكاتب في قدرته على "التجرد" من زمن معين أي فصل نفسه عنه والتكلم بما يحمل إلينا أجواء من عالم قديم أو فلنقل بعض سمات من أفقر بلدان العالم الثالث وفيها الفقر والقذارة والأبنية الشاهقة.

يقول مثلا "مدينة.. مثلها مثل المدن الشبيهة تغز عمائرها عين الشمس لتنكسر أشعتها وتنز ظلالا تطؤها
الأقدام وتهرسها عجلات المركبات. ومثلما يحدث في المدن الشبيهة حف بنا الصبية والقوادون.. وجاء الشحاذون وحام حولنا السواقون وتنطع باعة التوافه".

وتحدث عن الفساد والتواطؤ بين رموز للسلطة وبين المجرمين من أجل المال. في الرواية رموز وتعابير وأعمال واضحة للمتصوفة إلا أن المعلم فيها مختلف في أكثر من مجال واحد. فعلى رغم أجواء معظم مسارح الأحداث ورغم اللغة التي توحي في غالبها بأنها تتحدث عن عالم قديم الا حيث يرد كلام عن أمور حديثة كالسيارات والبنادق الرشاشة وغيرها، فإن هذا المعلم يبدو مختلفا عن سائر "المعلمين"، إنه معلم "حديث جدا" من ناحية ما. إنه موغل في الأمور الشهوانية بما يوازي - قليلا أو كثيرا - الروحانية التي تفيض بها الرواية.

المعلم الروحاني يخوض غمار "رقص" مادي. وإن خطر للبعض أنه قد يكون أشبه برقصات زوربا اليوناني في رائعة كازانتزاكي. إنه مزيج من الشهوة التي ترتقي إلى عالم شبه روحي.

أما الغزالة، وهي رمز في كل حال، فتبدو أحيانا أقرب إلى
الروح التي لا تقهر خاصة حيث يسعى الحاكم المستبد إلى صيدها فيعصاه الأمر كما يصعب أو يستحيل تدجين الأرواح.

وقد يكون في أسلوب الأسئلة التي تطلب أجوبة فضلا عن التأثر بالمعلمين سالفي الذكر أثر لما يقول الدكتور محمد غنيمي هلال إنه من فعل القصص الهندي في أدبنا من خلال أسلوب "كليلة ودمنة" و"ألف ليلة وليلة".

في بدايات الرواية قد يجد القارىء نفسه يتذكر رواية فرح انطون "المدن الثلاث" أو مدن العلم والدين والمال.

أحيانا نجد أن الكاتب أفاد من أمور وأفكار لا تحصى حتى أننا نواجه بعض الأمثال الشعبية والقصص الشعبي، وقد صيغ بقماشة جعلت الأمر أكثر أناقة وعراقة من أصله الشعبي. تقرأ عن المكان المكتظ بالناس "وما به من فسحة لمزيد" فتسمع رد المعلم "هذه روضة الأصدقاء وما ضاقت يوما عن صديق" فتذكر المثل الشعبي "البيت الضيق بيوسع ألف صديق".

ونقرأ "اغمض عينيك تبصر كل شيء" فتحمل إلى ذاكرتنا قصيدة "اغمض جفونك تبصر" لميخائيل نعيمة، ومنها قوله "إذا سماؤك يوما/ تحجبت بالغيوم/ أغمض جفونك تبصر/ خلف الغيوم نجوم".

والواقع أن الكاتب يستشف الروح الكامنة وراء كثير مما في الحياة اليومية ويتلقف ما في مشاعر الناس وخواطرهم وما عبروا عنه أحيانا بكلامهم أو شعرهم الشعبي. من أمثال ذلك قوله "إنما الهوى هوا فهل أنت مستغن عن الهوا".

خيال الشاعر الشعبي اللبناني مثلا عبر عن الأمر نفسه بقوله "قلت الهوى/ قالت أمان من الهوى/ قلت الدوا/ قالت ما لوش ولا دوا/ قلتلها راح روح أترك هالبلاد/ قالت وأيا بلاد ما فيها هوا".

قاسم مسعد عليوة لا يخترع من الأفكار والمعاني ما ليس موجودا. كتاباته تحمل إلينا الفكر والفلسفة والتصوف والخيال الشعبي وأمورا كثيرة أخرى. أما حيث أبدع فكان في التعبير الفني عن كل ذلك.

قديما قيل إن المعاني ملقاة على قارعة الطريق. في العمل الفني من المهم جدا أن يكون ما تقوله "مهما".. لكن الأهم منه هو "كيف" تقوله. والكيفية عند قاسم مسعد عليوة إبداع وعمق وايحاء وجمال ومتعة فنية تجذب فتجعل لكل كلام مهما كان قليلا "عقدة" نتوق إلى معرفة ما يأتي بعدها.

القمر يبكي بحضن الشمس" لابراهيم أبوعواد

مقطع من القصيدة للشاعر الأردني ابراهيم أبوعواد ..

تبدل حبالُ المشانق جلودَها

كما يبدل الفستقُ شفراتِ مقصلته

لا مكاني قصدير تحت مظلات الحزن

ولا كوخي مستشفى ولادة للدببة القطبية

أنتِ العشبة الطريدة في كتابات المعدة

فلتضحكي مثلما يبكي ما تساقط من أنوثة الأرصفة

سجَّل الخروبُ المقلي اسمَه البرونزي

على شواهد قبور مخصصة للخيول

مسائي وهجُ التفاح آخر الصيف

منتصفُ المراثي ألقُ الطباشير المارة

كالقلوب المسيجة بالزرنيخ

وذهبنا نفرش معنى البنفسج

على مرايا المصاعد المعطلة

كن قماشاً يخيط الإبرَ الصدئة

قرب شتاء الألفاظ

قطعنا خاصرةَ البحر بسكين قديمة

نسيتها الشمس في مطبخ بيتنا في الأندلس

لماذا تلتصق دمعاتُ الحوت الأزرق

على قبر ابنة عمي في قشتالة ؟

أضرحةٌ يبنيها العشب المبتل في خدي الأيمن

أتى الذبابُ حاملاً في جفونه

ما تبقى من قلب النسر المنبوذ

للرعشة أحصنة الفضة ومناجل الغرباء

يلتقي السيانيد بوالديه في مقهى اليورانيوم

إن الأوحال تمشي إلى تلة

في أحشاء ثعلب مجرد من جنسيته

ابنِ طريقاً من العقيق حول البلابل

تلمحْ مواعيد حصاد أجساد العبيد

وفي انهيارات تكساس أرملةٌ

تضيء معسكرات النزيف

في جماجم أبنائها الخاسرين

في الحرب بين الشمال والجنوب

نحو الشمال الدامي يعدو وقت الأكفان

يحدق تمساحُ الزنبق في ساعة يده

ويتساءل عن موعد الجريمة

أضاعت المذنَّباتُ حبَّها الأول في الجرح الثاني

هكذا تصير حياتنا كومةً من الأرقام

وتحت الشجرة التي لم تولد

بكينا حاضنين أسماءنا وتوابيت أجدادنا

إن تسكت العاصفةُ نَرَ درب جثامين من عَبَروا

إلى سطور ذابلة في الكتب

التي تطالعها رفوف المكتبة

ليس لأبجديتي نهر أو سور

كانوا يحفرون الأنوثة

في عيون القطط الضالة

وعمالُ النظافة يصدرون جوازاتِ سفر

للصنوبر البحري

السَّفرُ كنية الليمونة وفاكهة الغريب

وبينما كنا نمشي إلى مروحة جمجمة الوقت

اصطدمت رؤوسنا المقطوعة بأسلاك الكهرباء

فارتعشت العصافيرُ التي ودَّعت النسرين

في محطة القطارات

أصبحنا صوراً خرساء في براويز

تزوَّجها غبارُ أشرطة الأفلام الوثائقية

لن أبكيَ أمام ابنة عمي لكنني بكيتُ

لن أمشيَ إلى رمل المحيطات لكنني مشيتُ

لن أرويَ قصة اغتيال الينابيع لكنني رويتُ

كنتُ الغريب يوم اكتحلت عينا النبع

برماد الأجنحة المتساقطة

في القصبات الهوائية للخريف

مبروك لهذا الأديب


سكوت المنادى ... ل/على معوض

ماذا نفعل حينما تضيع منا الكلمات؟

الحلم هو الأمل في نهار تشرق شمسه بعد طول غياب والشعر هو ترجمة الواقع وقد يفشل الشاعر في ترجمته فنصبح أمام عالم معتم تختبي فيه الصورة فتضيع معالم القصيدة ,هذا هو عالم الشاعر علي معوض المعتم الذي أضاءه بشمس كلماته الساطعة المتحركةففرش بساط الكلام وخاف اللائمين قائلا:

أحداث في ضميري صاحية

بالخبرة مش العلام

واعيها واهم اطولها تتخفي في الظلام

هاجس يؤرق الشاعر وأحداث جمة يعيها وحينما يمسك بها يجدها سرابا فيصاب بالاحباط الشديد في قوله علي الدنيا السلام

أما القصيدة الرئيسية في الديوان (سكوت المنادي)والذي يقول فيها..

أنا من كتر ما اتعذبت

أخدت من الألم زادي

وبيه عايش ومتعود

وباربط جرحي وأحادي

في رمش عيوني أنا شايله

تري كم من الهم يحمله هذا القلب المثقل بالهموم ..دوامات من الألم والحزن للدرجة التي اعتادها الشاعر وينتهي به المشوار ليبدأ به من جديد .قصائد عامية مبهجة أحيانا ,معتمة أحيانا كثيرة لكنها في النهاية صرخة شاعر يريد الخلاص غير خائف وغير عابيء بالنتائج.

ضم الديوان قصائد عديدة منها ..جورنالجي...حاضر..هاتي المخبي..جمل ..وبا....شاوري ..وغيرها

دعوة للإبحار في عالم علي معوض الشعري للبحث عن الحقيقة في علم كاذب مخادع.