أحمد زغلول الشيطي‮:‬‮ ‬لا أريد أن أتحول إلي أيقونة‮!‬

بعد‮ » ‬ضوء شفاف‮ ‬ينتشر بخفة‮«.‬

حوار ‮ ‬أحمد وائل

طوال لقائنا كان أحمد زغلول الشيطي يحاول الابتعاد عن الكلام حول‮ "‬ورود سامة لصقر‮"(‬الطبعة الأولي صدرت ضمن عدد مجلة أدب ونقد‮ ‬1991،‮ ‬والطبعة الثانية صدرت عن هيئة الكتاب عام‮ ‬1993‮).. ‬
يحاول أن يقدم نفسه،‮ ‬في هذا الحوار،‮ ‬بعيداً‮ ‬عن هذه التجربة‮.. ‬هذا ما يؤكده بمجموعته الجديدة‮ "‬ضوء شفاف ينتشر بخفة‮" ‬الصادرة مؤخراً‮ ‬عن دار‮ "‬ميريت‮".‬
يري الشيطي أن روايته الأولي صارت عبئاً‮:" ‬صرت معروفاً‮ ‬بوصفي صاحب ورود سامة لصقر فقط‮". ‬نجاح الرواية الأولي ربما يكون قد ظلم مجموعتين قصصيتين تاليتين،‮ ‬لهذا يتساءل الشيطي‮: ‬هل سيحدث ذلك مع مجموعته الثالثة؟‮ ‬
في هذه المجموعة يحاول الشيطي إعادة تقديم نفسه‮.. ‬
لكن لا مفر من الكلام عن الرواية التي دشنته كـ"كاتب كبير‮"..‬حسبما‮ ‬يستعيد ماقيل وقت صدورها‮.‬

‮"‬كانت طلقة،‮ ‬صرخة مدوية‮"‬،‮ ‬كتبها بانفعال‮. ‬كان يجلس في منزله بدمياط،‮ ‬وهو لا يزال صبياً‮ ‬في السادسة عشرة،‮ ‬يُظلم الحجرة التي يكتب بها،‮ ‬ويُسلّط بقعة ضوء من‮ "‬أباجورة‮" ‬علي أوراق بيضاء يكتب علي سطحها بقلم جاف‮ " ‬كانت الكتابة لحظة عزلة‮ .. ‬أضغط بشدة بالقلم علي الأوراق‮.. ‬كانت الكتابة بهذه الطريقة انعكاساً‮ ‬وترجمة للانفعال ولانكشاف الرؤية‮". ‬حينما انتهي الشيطي من روايته عام‮ ‬1989‮ ‬كان د.سيد البحراوي في دمياط،‮ ‬التقي به الشيطي الكاتب الشاب وقتها علي مقهي،‮ ‬وقال له‮:"‬خد الرواية دي‮.. ‬حتحدث أثر زي‮ "‬تلك الرائحة‮" ‬كان الشيطي واثقاً‮ ‬من روايته،‮ ‬ومن نجاحها‮. ‬يبرر ذلك بأنه كان قد قرأ جميع الكتابات وقتها،‮ ‬وهكذا أيقن‮ ‬أن عمله الصادم سيكون عملاً‮ ‬مختلفاً،‮ ‬وسيحدث حراكاً‮.‬
‮>>>‬
الآن،‮ ‬وبعد عشرة سنوات،‮ ‬صار الشيطي يفضل الكتابة بالمقهي‮: "‬حدث تحول ما،‮ ‬أحاول الخروج من العزلة والكتابة بالمقهي‮".‬
‮>>>‬
‮"‬لم أنقطع‮.."‬
هكذا يؤكد الشيطي عدم ابتعاده عن الكتابة‮. ‬هو ابتعد‮- ‬جسدياً‮- ‬عن الحياة الثقافية فقط‮: "‬لم أنقطع عن الكتابة‮.. ‬أنا كاتب،‮ ‬أدرك أن حقيقتي تكمن في كوني كاتباً‮. ‬حكاية الشيطي مع الكتابة تعود إلي طفولته حينما كان يحكي لزملائه بورشة‮ "‬الأويما‮" ‬حكايات من تأليفه،‮ ‬كان يسرد لهم أحلاماً،‮ ‬يتمني تحقيقها‮: "‬كانت الحكايات هي المتنفس،‮ ‬كنت أمارس الكتابة شفوياً‮"‬،‮ ‬بعد ذلك مارسها بشكل احترافي في منتصف الثمانينيات‮: "‬كانت ورود سامة صرخة ضد العالم الذي كان مناقضاً‮ ‬لأحلام الأويمجي،‮ ‬الطفل الذي كنته‮". ‬اكتنزت هذه الصرخة جميع المعاني داخلي،‮ ‬استنفذت التجربة جماع روحي‮.. ‬وكان من الطبيعي أن تأتي بعدها فترة تأمل‮"‬،‮ ‬فترة التأمل التي طالت قليلاً،‮ ‬كان سببها نجاح الرواية الأولي وقت صدورها‮: "‬استمر رجع الصدي لسنوات،‮ ‬لم تتوقف أصداء وورد سامة حتي الآن‮..‬فوجئت أنهم يأخذون الرواية كفاتحة لكتابة التسعينيات‮"‬،‮ ‬الآن يحاول الشيطي محاربة كونه صاحب هذه الرواية،‮ "‬أريد أن أصنع مغامرات أخري‮"‬،‮ ‬لا يريد أن يتحول إلي‮ "‬أيقونة‮"! "‬الرواية التي كتبتها تحيا حياتها بعيداً‮ ‬عني،‮ ‬وبقيت أنا متورطاً‮ ‬في حياتي‮. ‬أبحث عن مخرج‮.."‬
تغيرت حياته تماماً،‮ ‬ابتعد عن الوسط قليلاً،‮ ‬ركز في العمل بالمحاماة،‮ ‬لا يمكن أن تكون المهنة الوحيدة هي الكتابة‮. ‬ترك دمياط،‮ ‬واستقر حالياً‮ ‬في القاهرة‮.. ‬رد فعل الشيطي علي النجاح كان الابتعاد،‮ ‬لكنه يبرر ذلك بقوله‮: "‬كنت أحاول أن أحيا‮.. ‬أنا أحاول إعادة المحاولة‮. ‬أسجل حالة مختلفة لي ككاتب‮. ‬أن الكاتب يتكلم من موقع آخر‮". ‬
لذا يراهن الشيطي علي المجموعة الجديدة،‮ ‬هكذا جاء الكتاب‮ " ‬ذا طبيعة إشكالية‮"‬،‮ ‬في زمن تنتشر فيه الرواية أصدر الشيطي نصوصاً‮ ‬قصيرة‮.‬
‮ ‬لم يرد أن تكون العودة برواية‮: "‬جميع الأصدقاء نصحوني بذلك،‮ ‬لكني فضلت أن أعود بنصوص تثير إشكالاً‮ ‬فيما يخص التصنيف والنوعية‮". ‬
‮>>>‬
نصوص المجموعة لا تعتبر قصصاً،‮ ‬بل نصوص عالية السرد،‮ ‬تكاد تكون روايات مكثفة‮" ‬البعض يري النصوص روايات مضغوطة،‮ ‬لكنني أعتقد أنها كتابة تعكس مزاجاً‮ ‬ورؤية خاصتين للعالم‮". ‬أقول له‮:" ‬النصوص كأنها روايات مكثفة بالفعل،‮ ‬روايات مختصرة تحوي الشخصيات،‮ ‬وتصور مختزل للعالم وحبكة حادة،‮ ‬فيقول‮:"‬من الممكن أن أعود إليها مرة أخري وأفككها‮.. ‬لا يوجد نص نهائي‮".‬
‮>>>‬
بالفعل سيفكك الشيطي أحد النصوص حيث يكتب الآن رواية جديدة‮ ..‬تنطلق من أحد نصوص المجموعة،‮ ‬في هذا النص يجلس الكاتب أمام شاشة‮ "‬لاب توب‮" ‬ويتأمل زبائن‮ "‬الكافيه‮"..‬ولا تزال الرواية في طور الكتابة حتي الآن‮.‬
هكذا خرج‮ ‬من مكتبه في دمياط،‮ ‬من خارج بقعة الضوء المسلطة علي أوراق‮ "‬ورود سامة لصقر‮" ‬إلي صخب الأضواء في‮ "‬الكافيه‮"..‬
‮>>>‬
لا يري‮ ‬نفسه منتمياً‮ ‬إلي جيل محدد‮: "‬أنا نسيج وحدي‮". ‬رغم ذلك‮ ‬يحدث معارضة مع نص‮ "‬في انتظار كوكي‮" ‬لمصطفي ذكري،‮ ‬وذلك في نص الأول‮ "‬باطن‮". ‬زغلول يجادل ذكري من بعد،‮ ‬يناقشه في النص،‮ ‬ويصارحه‮ ‬أن سر جمال النص يعود إلي‮ ‬غياب‮ ‬كوكي‮: "‬لو حضرت كوكي لضاعت جماليات النص‮". ‬أسأله عن سبب المعارضة فيقول‮:‬
‮"‬أردت أن أقول إن هذا النص أقرب إلي جمال وإتقان سجادة فارسية،‮ ‬لكن هذا الإحكام ناتج عن‮ ‬غياب العناصر الفاعلة،‮ ‬أي‮ ‬غياب الآخر‮ ..‬كوكي‮." ‬ويتابع‮: "‬لو حضرت كوكي لصارت السجادة الفارسية حصيرة مصرية‮"! ‬
يري الشيطي أن الكاتب عليه أن يبذل بعض التضحيات،‮ ‬أن يخاطر بالجمال من أجل الحياة‮.. ‬من أجل أن تكون الكتابة واقعية،‮ ‬يظهر بها الآخر‮: "‬الناس لابد ان يقتنعوا بالكتابة‮.. ‬أن تكون الكتابة حياة،‮ ‬وتسعي إلي صنع حالة من الإقناع‮..‬حالة من التواصل‮".‬
‮ ‬تبدو هذه الفكرة قريبة من فكرة أحد نصوص المجموعة الجديدة‮ "‬بائعة التين الشوكي‮"‬،‮ ‬أشير إلي هذا التقارب فيعلق‮ :" ‬بالفعل،‮ ‬أتمني أن استطيع أن أحضر البائعة دون أن أخل بجماليات السرد‮.. ‬أريد للكتابة أن تخرج من مأزق العزلة،‮ ‬لا يمكن أن تكون الكتابة معزولة عن جميع المؤثرات والشخصيات الفاعلة‮.. ‬هذا مأزق كبير،‮ ‬لأن‮ ‬جودة الكتابة تتأثر بعملية‮ "‬الصنفرة‮" ‬الزائدة‮"! ‬رغم ذلك يريد الشيطي أن‮ "‬يحضر العالم كله إلي النص‮.. ‬دون أن يفقد من جمالياته‮"..‬هذا هو التحدي الذي يشغل الكاتب الذي ولد كبيراً‮.‬
‮>>>‬
يتمني‭ ‬ان يكتب واقعاً‮ ‬موازياً‮: "‬أنا‮ ‬غير مشغول بالإحالة إلي الواقع،‮ ‬هذا مناسب جداً‮ ‬لك إذا كنت تتأمل العالم،‮ ‬ولا تعيشه‮".. ‬كتب الشيطي نصا عن ثلاثة نمور حزينة زارت شخصاً‮ ‬وحيداً‮ ‬وشربت معه الشاي‮: "‬السهولة الخادعة للتعبير في هذا النص،‮ ‬ربما يراها القارئ كأنها مجرد كتابة جمالية،‮ ‬لكنه إذا قرأ النص بروح الشريك مثلاً‮ ‬سيلاحظ مدي وحدة الشخص المضيف،‮ ‬وأنه لا يشارك فيما حوله،‮ ‬بل يتأمل العالم فقط‮.. ‬هذا النص،‮ ‬والمجموعة ككل،‮ ‬تشكل مرحلة تأمل وقراءة للعالم طوال فترة استراحة بعد ورود‮".‬
‮>>>‬
يروي الشيطي حكاية طريفة‮..‬
أثناء كتابته لـ"ورود‮" ‬رأي أن دلالة عنوان جيمس جويس‮ "‬صورة الفنان في شبابه‮" ‬مناسبة تماماً‮ ‬لشخصية صقر،‮ ‬خاصة أنه شاعر،‮ ‬وشاب،‮ ‬هكذا جاء ذكر‮ "‬صورة الفنان في شبابه‮" ‬بالرواية،‮ ‬لكنه فؤجئ بنقاد يشبّهون روايته بعمل جويس‮: " ‬لم أقرأ‮ "‬صورة الفنان في شبابه‮" ‬حتي الآن،‮ ‬قرأت أعمال أخري لجويس،‮ ‬لكني لم أقرأ هذا العمل‮.. ‬لا أعرف‮- ‬بصراحة‮- ‬إذا كان تشبيه العملين ببعضهما أمراً‮ ‬جيداً‮ ‬أم سيئاً‮!".‬
‮> ‬مقال محمد عبد النبي عن الرواية‮ »‬ص31‮«‬