بعد » ضوء شفاف ينتشر بخفة«. | ||
حوار أحمد وائل | ||
يحاول أن يقدم نفسه، في هذا الحوار، بعيداً عن هذه التجربة.. هذا ما يؤكده بمجموعته الجديدة "ضوء شفاف ينتشر بخفة" الصادرة مؤخراً عن دار "ميريت". يري الشيطي أن روايته الأولي صارت عبئاً:" صرت معروفاً بوصفي صاحب ورود سامة لصقر فقط". نجاح الرواية الأولي ربما يكون قد ظلم مجموعتين قصصيتين تاليتين، لهذا يتساءل الشيطي: هل سيحدث ذلك مع مجموعته الثالثة؟ في هذه المجموعة يحاول الشيطي إعادة تقديم نفسه.. لكن لا مفر من الكلام عن الرواية التي دشنته كـ"كاتب كبير"..حسبما يستعيد ماقيل وقت صدورها. "كانت طلقة، صرخة مدوية"، كتبها بانفعال. كان يجلس في منزله بدمياط، وهو لا يزال صبياً في السادسة عشرة، يُظلم الحجرة التي يكتب بها، ويُسلّط بقعة ضوء من "أباجورة" علي أوراق بيضاء يكتب علي سطحها بقلم جاف " كانت الكتابة لحظة عزلة .. أضغط بشدة بالقلم علي الأوراق.. كانت الكتابة بهذه الطريقة انعكاساً وترجمة للانفعال ولانكشاف الرؤية". حينما انتهي الشيطي من روايته عام 1989 كان د.سيد البحراوي في دمياط، التقي به الشيطي الكاتب الشاب وقتها علي مقهي، وقال له:"خد الرواية دي.. حتحدث أثر زي "تلك الرائحة" كان الشيطي واثقاً من روايته، ومن نجاحها. يبرر ذلك بأنه كان قد قرأ جميع الكتابات وقتها، وهكذا أيقن أن عمله الصادم سيكون عملاً مختلفاً، وسيحدث حراكاً. >>> الآن، وبعد عشرة سنوات، صار الشيطي يفضل الكتابة بالمقهي: "حدث تحول ما، أحاول الخروج من العزلة والكتابة بالمقهي". >>> "لم أنقطع.." هكذا يؤكد الشيطي عدم ابتعاده عن الكتابة. هو ابتعد- جسدياً- عن الحياة الثقافية فقط: "لم أنقطع عن الكتابة.. أنا كاتب، أدرك أن حقيقتي تكمن في كوني كاتباً. حكاية الشيطي مع الكتابة تعود إلي طفولته حينما كان يحكي لزملائه بورشة "الأويما" حكايات من تأليفه، كان يسرد لهم أحلاماً، يتمني تحقيقها: "كانت الحكايات هي المتنفس، كنت أمارس الكتابة شفوياً"، بعد ذلك مارسها بشكل احترافي في منتصف الثمانينيات: "كانت ورود سامة صرخة ضد العالم الذي كان مناقضاً لأحلام الأويمجي، الطفل الذي كنته". اكتنزت هذه الصرخة جميع المعاني داخلي، استنفذت التجربة جماع روحي.. وكان من الطبيعي أن تأتي بعدها فترة تأمل"، فترة التأمل التي طالت قليلاً، كان سببها نجاح الرواية الأولي وقت صدورها: "استمر رجع الصدي لسنوات، لم تتوقف أصداء وورد سامة حتي الآن..فوجئت أنهم يأخذون الرواية كفاتحة لكتابة التسعينيات"، الآن يحاول الشيطي محاربة كونه صاحب هذه الرواية، "أريد أن أصنع مغامرات أخري"، لا يريد أن يتحول إلي "أيقونة"! "الرواية التي كتبتها تحيا حياتها بعيداً عني، وبقيت أنا متورطاً في حياتي. أبحث عن مخرج.." تغيرت حياته تماماً، ابتعد عن الوسط قليلاً، ركز في العمل بالمحاماة، لا يمكن أن تكون المهنة الوحيدة هي الكتابة. ترك دمياط، واستقر حالياً في القاهرة.. رد فعل الشيطي علي النجاح كان الابتعاد، لكنه يبرر ذلك بقوله: "كنت أحاول أن أحيا.. أنا أحاول إعادة المحاولة. أسجل حالة مختلفة لي ككاتب. أن الكاتب يتكلم من موقع آخر". لذا يراهن الشيطي علي المجموعة الجديدة، هكذا جاء الكتاب " ذا طبيعة إشكالية"، في زمن تنتشر فيه الرواية أصدر الشيطي نصوصاً قصيرة. لم يرد أن تكون العودة برواية: "جميع الأصدقاء نصحوني بذلك، لكني فضلت أن أعود بنصوص تثير إشكالاً فيما يخص التصنيف والنوعية". >>> نصوص المجموعة لا تعتبر قصصاً، بل نصوص عالية السرد، تكاد تكون روايات مكثفة" البعض يري النصوص روايات مضغوطة، لكنني أعتقد أنها كتابة تعكس مزاجاً ورؤية خاصتين للعالم". أقول له:" النصوص كأنها روايات مكثفة بالفعل، روايات مختصرة تحوي الشخصيات، وتصور مختزل للعالم وحبكة حادة، فيقول:"من الممكن أن أعود إليها مرة أخري وأفككها.. لا يوجد نص نهائي". >>> بالفعل سيفكك الشيطي أحد النصوص حيث يكتب الآن رواية جديدة ..تنطلق من أحد نصوص المجموعة، في هذا النص يجلس الكاتب أمام شاشة "لاب توب" ويتأمل زبائن "الكافيه"..ولا تزال الرواية في طور الكتابة حتي الآن. هكذا خرج من مكتبه في دمياط، من خارج بقعة الضوء المسلطة علي أوراق "ورود سامة لصقر" إلي صخب الأضواء في "الكافيه".. >>> لا يري نفسه منتمياً إلي جيل محدد: "أنا نسيج وحدي". رغم ذلك يحدث معارضة مع نص "في انتظار كوكي" لمصطفي ذكري، وذلك في نص الأول "باطن". زغلول يجادل ذكري من بعد، يناقشه في النص، ويصارحه أن سر جمال النص يعود إلي غياب كوكي: "لو حضرت كوكي لضاعت جماليات النص". أسأله عن سبب المعارضة فيقول: "أردت أن أقول إن هذا النص أقرب إلي جمال وإتقان سجادة فارسية، لكن هذا الإحكام ناتج عن غياب العناصر الفاعلة، أي غياب الآخر ..كوكي." ويتابع: "لو حضرت كوكي لصارت السجادة الفارسية حصيرة مصرية"! يري الشيطي أن الكاتب عليه أن يبذل بعض التضحيات، أن يخاطر بالجمال من أجل الحياة.. من أجل أن تكون الكتابة واقعية، يظهر بها الآخر: "الناس لابد ان يقتنعوا بالكتابة.. أن تكون الكتابة حياة، وتسعي إلي صنع حالة من الإقناع..حالة من التواصل". تبدو هذه الفكرة قريبة من فكرة أحد نصوص المجموعة الجديدة "بائعة التين الشوكي"، أشير إلي هذا التقارب فيعلق :" بالفعل، أتمني أن استطيع أن أحضر البائعة دون أن أخل بجماليات السرد.. أريد للكتابة أن تخرج من مأزق العزلة، لا يمكن أن تكون الكتابة معزولة عن جميع المؤثرات والشخصيات الفاعلة.. هذا مأزق كبير، لأن جودة الكتابة تتأثر بعملية "الصنفرة" الزائدة"! رغم ذلك يريد الشيطي أن "يحضر العالم كله إلي النص.. دون أن يفقد من جمالياته"..هذا هو التحدي الذي يشغل الكاتب الذي ولد كبيراً. >>> يتمني ان يكتب واقعاً موازياً: "أنا غير مشغول بالإحالة إلي الواقع، هذا مناسب جداً لك إذا كنت تتأمل العالم، ولا تعيشه".. كتب الشيطي نصا عن ثلاثة نمور حزينة زارت شخصاً وحيداً وشربت معه الشاي: "السهولة الخادعة للتعبير في هذا النص، ربما يراها القارئ كأنها مجرد كتابة جمالية، لكنه إذا قرأ النص بروح الشريك مثلاً سيلاحظ مدي وحدة الشخص المضيف، وأنه لا يشارك فيما حوله، بل يتأمل العالم فقط.. هذا النص، والمجموعة ككل، تشكل مرحلة تأمل وقراءة للعالم طوال فترة استراحة بعد ورود". >>> يروي الشيطي حكاية طريفة.. أثناء كتابته لـ"ورود" رأي أن دلالة عنوان جيمس جويس "صورة الفنان في شبابه" مناسبة تماماً لشخصية صقر، خاصة أنه شاعر، وشاب، هكذا جاء ذكر "صورة الفنان في شبابه" بالرواية، لكنه فؤجئ بنقاد يشبّهون روايته بعمل جويس: " لم أقرأ "صورة الفنان في شبابه" حتي الآن، قرأت أعمال أخري لجويس، لكني لم أقرأ هذا العمل.. لا أعرف- بصراحة- إذا كان تشبيه العملين ببعضهما أمراً جيداً أم سيئاً!". > مقال محمد عبد النبي عن الرواية »ص31« |