قصائد الضامن.. برودة فكرية ولعب مجازي




كلما همت ارتجف خيال البرزخ

قصائد الضامن.. برودة فكرية ولعب مجازي


الاصرار على الاغراق في اللعبة الفكرية والبلاغية التي ما ان يتخلص منها الشاعر حتى يعود اليها عودة حبيب مشتاق.


بيروت - من جورج جحا

مجموعة "كلما همت ارتجف خيال البرزخ" للشاعر السعودي محمد الضامن قد تشكل بالنسبة الى القارىء مزيجا من امور وحالات يخلق بعضها متعة لا يلبث بعض اخر منها ان يقضي على تلك المتعة او يجعل القارىء ينساها او يقلل منها.

قصائد المجموعة من ناحية اخرى اقرب الى ان تكون حالة واحدة. والمقصود بتعبير حالة هنا لا الحالة الشعورية الضرورية لخلق التعبير الشعري المؤثر بل انها تكاد تكون حالة فكرية واحدة او حالات توأمية في افضل اوضاعها. وهذا الامر ربما لا يعد نقيصة الا عندما تتكرر هذه الحالة او الحالات التوأمية في برودة فكرية ولعب مجازي ورمزي وبلاغي كثيرا ما تنقصه هبة دافئة من حياة حارة.

وربما ذكرنا الشاعر هنا بما قيل في البديع قديما من ان المحسنات –

اللفظية والمعنوية منها- خاصة الاولى هي مثل الملح في الطعام.. قليله يجعل الطعام سائغا ولذيذا وكثيره يجعل النفس تمجه او يفسده كليا.

هذا لا يعني ان كل شعر الضامن هو كذلك. فعند الشاعر قدر كبير من الجميل.. الجميل الذي نشعر من خلاله بنسمات من اناشيد سليمان ومن عالم الشاعر ادونيس وغيره. لكن ما قد يعتبر مأخذا هو نوع من الاصرار عند محمد الضامن على الاغراق في اللعبة الفكرية والبلاغية التي ما ان يتخلص منها في قسم من القصيدة حتى يعود اليها عودة حبيب مشتاق.

ضمت مجموعة محمد الضامن 21 قصيدة من "عائلة" قصائد النثر امتدت على 55 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن "الدار العربية للعلوم ناشرون".

لعل القصيدة التي اعطاها الشاعر عنوان "إلاهي" تمثل في ما فيها من توتر ونغم حزين وآلام لم تقصر الكلمات في نقلها بعض افضل ما في المجموعة. الا انها على جمالها تعكس بعض السمات الاخرى عنده فهو يضرب انسيابها العاطفي الدافيء ليحول نهايتها مثلا الى كلام منطقي اقناعي مباشر شبه يومي. وربما لم يكن لهذا اهمية كبيرة فالشعر يقبل في احيان كثيرة بعض ما ذكرنا لكنه لم يكن ليحدث ردة فعل معاكسة لو لم يأت بعد الدافيء الموحي فيخفف من دفئه وإيحائه.

يقول محمد الضامن في القصيدة "سأرحل/ بكل عذابات الشوق/ الى الوجع/ ادخل العالم اقول للرمل/ تطاير شررا.. بدد اللهو في عيني واقتل خمودهما/ النفس هذه المستكينة العائشة على زبد الاخرين/ ارحل في جمادات النفوس/ ايها الوجع الشيخ/ اراك تقتات وهم الاخرين.. اقتل اوجاعهم/ كن ساذجا في النفاق واقتله/ ايها الشيخ.. رحيما انت/ تحول ..تبدل/ ايها الوجع صديق الملمات/ اراك تعشق نفسك وتقتات الاخرين/ هذا انت/ واغل في الدروب..حالم في الكروب/ اقتل وكن انت/ لا تجادل/ لا تجادل.. تجاعيد وجهك تشهدالموت/ كن انت/ واقتل/ كن انت/ واعبد إلهك".

في قصيدة "الطريق" رمزية ومجازات في تصوير موح يقول "اجوس طريقي بمهل اعمى/ ترفق.. فوق ليلي ليل/ وعلى كتفي بخار احلام لا ترى غير الولوج في التيه/ لنمض../ ايها الغد المارق على عكازين احمرين/ لنمض../ فوق جبال لا يهدها صعود ولا ادعية ولا همهمات/ تضعها الامهات تحت الرأس/ نم يا ولدي/ لنمض...".

في قصيدة "الغثاء" نواجه في غالب ما نقرأه منها عودة الى اللعبة الفكرية.. لعبة المجرد او شبه المجرد البارد وبعضه يأتي من خلال لعبة الالفاظ في مجازات يصعب تحميلها شحنات عاطفية كما انها كمجازات محدودة في ما تنقله ولذا فهي تبدو اقرب الى خروج من حدود "الصنعة" الى شيء من "التصنع" على حد تعبير النقاد العرب القدامى.

ومهما يكن من امر فالشاعر رومانسي في مشاعره وحالاته النفسية وأفكاره والحزن المسيطر على عالمه كله لكنه احيانا كما في هذه القصيدة يبدو انه يقع في ما اشرنا اليه.

يقول "أسألكم الانعتاق/ يا وهم الطبيعة/ تتفوضى المشاعر/ تتوضأ عقول بالنباتات/ كتبنا/ وها احارب الاكتئاب/ وأتضيع/ علامات تنكت في فراغ الخيال/ انشطر/ على مسامات الحس تتبعثر النفس.. ادوخ/ وتخجل الكرامات التي تربت في جسدي/ انفجر/ من هموم القذارات/ من عهود البشارات/ من ادمغة صلت/ اوقعت في نفسي خوفا !!!".

في قصيدة "تشققات في مدارج الروح" صور تحمل جمالا لكننا ربما تساءلنا عن موقعها في النسيج الشعري بل عن علاقتها به احيانا. يقول الشاعر "ابصر وجهي عالطريق/ وكنيسة عيني واقفة تشتهي غرقا/... ثم انكببت وانتظرت/ وجه خلقته رجعة الخوف/ ووجه مخلق نسيانا/ فأعبر/ يا نسيان بين اللغات المتروكة خلف الهواء في قلبي...".

"انا لماذا لأي شيء/ واقف امام مشرحتي/ ازرر نعاس وجعي/ ليس الطريق الذي اعبر/ غير دم يرجف لا ناقة الروح.../ خسرت وجهي في الملهى/ جسدي عطر.. وعطر.. وجهي ضائع/ وأنا بالضياع اضيع لا لكي اضيع/ الا في الضياع/ فيا حارس المخانق كن لي عصيرا..." .

تشعر بأنه لابد من كلمة. انت لا تعرف شيئا عن الشاعر فدار النشر لم تذكر سوى انه سعودي. هل هذه هي مجموعته الاولى ام انها واحدة من مجموعات. تشعر بأنه لابد من القول ان عند محمد الضامن طاقة شعرية وقدرة على خلق الجميل الموحي لكنه ربما كان يغرق كل ذلك في عملية ذهنية بلاغية وصور ومجازات ربما كان كثير منها "مجانيا" لا يدخل في صلب نسيجه الشعري. وليس لاي منا ان يقول لشاعر ما عليه ان يفعل.. لكن القارىء يحق له ان يشكو مما يبدو له انه "يشوش" على جمال قصيدة او يشوه بعضه. وعند محمد الضامن اشكال كثيرة من الجمال فخسارة ان يشوه شيء بعضا منها.