| ||||
|
أنثي ترفض العيش
حوار مع الذات
قلب مفتوح.. الغرابة في الكتابة
كتاب عبده وازن يكشف عن الروحي في ما اتفق على وصفه بالمادي في الجنس او الافعال اليومية العادية.
بيروت - من جورج جحا
كتاب الشاعر والصحافي اللبناني عبده وازن الذي حمل عنوان "قلب مفتوح" عمل غريب الفعل في النفس اذ قد يشعر القارىء احيانا بانه يرفعه فيجعله يطل على الحياة من عل كأنه اصبح ذا قدرة على مغادرة جسده.
ولا يترك عبده وازن هذا القارىء حيث اوصله بل يهبط به الى الحياة نفسها متناولا ابعادها المختلفة لكن بروحية فيها كثير من الاجواء التي كان قد رفعه اليها حتى حين يتحدث عن "ماديات" هذه الحياة. وقد يجوز لنا القول: خاصة حين يتحدث عن هذه الماديات.
يحمل عبده الى هذه الماديات نفسا روحيا بل انه يكشف عن كثير من الروحي في ما اتفق على وصفه بالمادي سواء في موضوع الجنس او الافعال اليومية العادية.
وكتاب "قلب مفتوح" اقرب الى نصوص مفتوحة بل يكاد يكون نصا واحدا مفتوحا متعدد الخطوط والالوان يجمع في ما فيه من مشاعر وأفكار ومرويات بين القصص والشعر وعالم النفس والروحانيات ويوميات الحياة التي تتلون عنده دائما بغمامية شعرية نفاذة وبما يصح ان يطلق عليه "أسى شفيف" على حد تعبيره وتعبير شاعره "الاثير" بدر شاكر السياب.
والكتاب الذي يسري ما فيه كفيض ناعم هادىء ويشمل كثيرا مما في العالم وما في عالم الشاعر جاء اثر عملية جراحية هي عملية "القلب المفتوح".
وقد صدر في 208 صفحات متوسطة القطع عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" في بيروت و"منشورات الاختلاف" في الجزائر العاصمة.
لعبده وازن الذي يدير الصفحة الثقافية في جريدة "الحياة" مؤلفات عديدة وقد صدرت له مختارات من شعره بالفرنسية وأخرى بالبرتغالية وترجم عدد من قصائده الى الاسبانية كما ترجم هو قصائد ونصوصا من الفرنسية الى العربية.
انه عمل ممتع يصعب التخلص من جاذبيته القوية واللطيفة الهادئة. يعود من تجربة عملية القلب المفتوح الى حياته وحياة اخرين.. عائلته وبيئته الاولى وما بعدها. اليتم المبكر وقصة الحب الاولى والعلاقة الجنسية الاولى والحرب وذلك الحس الديني العميق الذي يبدو لنا من خلال وصفه له اقرب الى فطرة لا تغادره. لا شك في ان قراءة ذلك العالم اليومي من خلال تلك البساطة او فلنقل من خلال قدرة عبده على جعل الامور تبدو بسيطة " مصفاة" على طريقة ما وصفه نقاد عرب قدامى بأنه "الجهد لإخفاء الجهد" تشكل متعة رفيعة نادرة.
بداية الكتاب تحملنا ببساطة موحية نفاذة الى ما يشبه كثيرا مما تعرضنا له نحن او تعرض له احباء لنا وكيف يعود الينا شريط حياتنا بتفاصيله عند مواجهة الموت او الخطر او اثر ذلك. وهو يدفع القارىء من خلال التجربة الحية المنقولة بجمال فني بعيد عن الادعاء والزخرفة -لا من خلال عمليات تنظير- الى نتائج توصل الى ما يشبه بعضها.. رجال فكر وفلسفة وإيمان ديني متنوع وكثير ممن شهدوا ما يشبه حالات "سفر" او ما يبدو ابتعادا عن هذه الحياة.
يبدأ عبده وازن بالقول "فتحت عيني كما لو انني افيق من نوم طويل. كان الظلام من حولي خفيفا. لم ادر ان كان ليلا او نهارا. ردهة واسعة ادركت حين ادرت ناظري ان فيها اسرة اخرى وأن على سرير بالقرب مني ينام رجل يرفع صوته حينا تلو حين...
"عندما فتحت عيني جيدا وعاد صوتي الي تذكرت اول ما تذكرت كيف مددوني على سرير العربة البيضاء ثم كمثل رجل ثمل او مخدر استسلمت لنعاس لطيف تشوبه حال من النشوة. كانت هذه اللحظات اخر ما اذكره قبل ان يقودوني الى غرفة الجراحة. كانت خطوتهم تلك حاسمة.. فإما ان اخرج حيا من هناك وإما..
"لم ابصر احدا حينذاك سوى الممرضين. لم يأت احد ليلقي علي نظرة او لألقي عليه نظره. عبرت هذه الحظات بسرعة ثم غبت ببطء. كان ذلك اثر البنج الذي حقنوه في كيس المصل. البنج الذي رماني في نوم عميق خلو من الاحلام. انها من المرات القليلة لا احلم فيها او لعلني لم اتذكر ما حلمت به".
وكتلك التجارب الصوفية والروحانية التي تتحدث عن انفصال الروح عن الجسد ثم عودتها اليه وعن وصف بعض من شارف على الموت تلك الرحلة بأنها تشبه الدخول في سرداب او الخروج منه عند العودة يقول "انني اتذكر الان استعيد ما حصل كما لو انه حصل البارحة او قبلها او الشهر الفائت.
"كأنني خرجت من باب لا اذكر ما كان وراءه. ووجدت نفسي صدفة امام الضوء فبهرت عيناي. كان علي ان استرجع نفسي ولكن لا ادري من اين.. امن عتمة لم تكن عتمة ام من نهار ساطع لا يشبه النهار؟ امن حقل فسيح كانت تنأى به غيوم ليست كالغيوم؟ انني اتذكر الان لحظات كأنني لم اعشها بل اشك ان كانت في صميم الزمن ام خارجه. الزمن الذي فقد معالمه فأضحى لا زمنيا .. طويلا او سريعا او...".
ويتحدث عن العملية الجراحية فيقول "كان جسدي بين ايديهم يفعلون به ما يشاؤون. انا كنت غائبا لا ادري اين. اتخيل هذا الجسد بين ايدي اناس لا اعرفهم. جسد غريب بين ايدي اناس غرباء.. يحنون عليه.. يعملون فيه مباضعهم.. يبصرون الدم ينبثق منه ثم ينحنون فوقه برقة قاسية.. يرسمون على صفحته جرحا تلو جرح ويكتبون تاريخا جديدا له".
وقال في مكان اخر "كنت افكر في الموت. فكرت فيه كثيرا ولكن لم اخف. قوة ما كنت تنبض في. انها الحياة نفسها تندفع مثل ينبوع خفي. ايقنت مرة اخرى انني كائن ديني مهما ابتعدت او اغتربت عن نفسي.. مهما جدفت وهرطقت. ترسخ لدي هذا الاعتقاد اكثر فأكثر في تلك اللحظات الطويلة. هكذا كنت. هكذا ابقى".
ينقل عبده الينا صورة حياته.. طفولة وأحلاما وآلاما وصورة عن عالمه الصغير ثم الاكبر منه.. صورته وصورة الآخر ويكتشف تدريجا وحدة عالم الانسان. وقد استطاع عبده من خلال هذا الغوص في نفسه و"تاريخه".. صبيا وفتى وشابا ان يثير في نفس قارئه عالما راكدا كان في حالة سبات بدت كأنها نسيان عميق الجذور فجعل مافي نفس القارىء يطفو الى عالم وعيه وذاكرته. لقد حول قارئه الى شريك له في عمله هذا. ولاشك في ان ذلك انجاز مهم جدا.
تشعر بأنك حيث تسعى الى تقديم عرض عن الكتاب سيبقى سعيك ناقصا او ربما ظالما. هو عمل يقول الكثير الكثير. انه كتاب للقراءة الممتعة العميقة الغور والأثر في النفس.
الغروب يغدق بالعواطف على الكتابة
بيطار والاتساق مع القص
الغروب يغدق بالعواطف على الكتابة
هيفاء بيطار معلقة خارج المكان والزمان في قصص تصور مشاعر الوحدة والحزن في حياة المرأة.
بيروت - من جورج جحا
تتناول الكاتبة السورية هيفاء بيطار في كثير من قصص مجموعتها "غروب وكتابة" موضوعات الشعور بالوحدة ومرور الزمن وبعض مجالات اغوار النفس البشرية بكثير من التحليل النفسي والفكري.
وهي تكتب بتدفق وبفيض من المشاعر التي تجعل بعض قصصها حالات رومانسية خاصة في تصوير مشاعر الوحدة والحزن اللذين في احيان كثيرة يرافقان تجربة المرأة.
وتبرز عندها احيانا سمتان الاولى ذات "اتساع" بمعنى انها تظهر في عدد من قصصها وهي ان هذه القصص تبدو كأنها -او بعضا منها على الاقل- "معلقة" خارج المكان والزمان او بشيء من التبسيط لا توحي بأنها مرتبطة بمكان وزمان معينين. عوالمها تبدو احيانا دون معالم وقسمات مميزة.
صحيح ان قسما منها يعطي انطباعا بأنها تجري في عالمنا العربي دون تحديد "اين" و"متى" لكن بعضها يحمل صفات عامة اي ما يشبه النزول في فندق "دولي" فخم قد لا تجد فيه ما ينبئك بمكانه وزمانه اذا لم تكن تعرف الامر مسبقا.
السمة الاخرى يمكن ان تتمثل في القصة الاولى "الى روح احمد" حيث تبدو الكاتبة كمن صنع "قالبا" لبناء او لعمل فني وأخذ يملأ هذا القالب المعد سلفا بأفكار ومشاعر منتقاة لتتناسب مع هذا القالب.
وفي الوقت نفسه فعالم هذه القصة ايضا "غير مميز" فإذا نسينا الاسمين العربيين فقد يصح ان نقول ان مسرح القصة ينطبق على اي مكان.
مجموعة هيفاء بيطار صاحبة العديد من الروايات وكاتبة القصة القصيرة تقع في 151 صفحة متوسطة القطع واشتملت على 20 قصة.
وقد صدر الكتاب عن "منشورات الاختلاف" في الجزائر العاصمة و"الدار العربية للعلوم ناشرون" في بيروت.
الكاتبة تروي بتمرس وقدرة ايا كان موضوعها. وإذا عدنا الى القصة الاولى اي الى "روح احمد" نجد اننا امام موضوع ليس جديدا في عالم السرد او التربية او التحليل النفسي. شقيقان توأمان: فريد وأحمد. كأن الاثنين لونان مختلفان: ابيض واسود. فريد الصورة الكاملة وأحمد نقيضه شخصية وفكرا وعملا. لم يكن لأحمد دور بارز في حياة فريد سارق الأضواء وإعجاب الناس. وحين مات فريد تقمص احمد شخصية الراحل بشكل غير مقنع طبعا.
بدأت الكاتبة بالقول "... صعب ان اكتب عن احمد دون ان ابذل جهدا كبيرا لأتمالك نفسي.. لأحزم انفعالاتي وأربطها جيدا كي لا تفلت في كل اتجاه لاحقة احمد في ضياعه".
وقالت "منذ تلك اللحظة ضاع احمد.. لحظة توفي اخوه فريد... لم اكن اعرف فريد لكن كل من عرفه يشهد انه عبقري. لكن حين رأيت صوره هالني الشبه بين فريد وأحمد لدرجة لم اعرف احدهما من الاخر... ربما النظرة تختلف بينهما فنظرة فريد فيها ثقة وقوة اما نظرة احمد فحائرة.. نظرة من يفتش عن شيء عارفا انه لن يجده".
صحيح ان فريد كان عبقريا لكن في رسم شخصيته هنا جاء اقرب الى الشخصيات التي سميت تقليديا شخصيات "مسطحة" فهو الأبيض والآخر هو الأسود. وتسطيع ان تتكهن بكل صفاته وصفات نقيضه اجمالا. مات فريد في العشرين من عمره بسبب خطأ طبي في عملية جراحية "استنفرت المدينة في جنازة فريد.
كان مشروع عبقرية في الرسم والموسيقى والمسرح... احمد كان صورة فريد لكنه لا يملك روحه المبدعة... اراد احمد ان يصير فريدا.. ان تتقمصه روح الغائب. صار يلبس ثيابه ويدخن غليونه ينام في سريره ويتأمل لوحاته طويلا. يستمع لموسيقاه لكنه يعجز عن خلق شيء".
كان احمد قد ترك الجامعة منذ سنته الاولى وفتح دكان حلاقة للرجال. وتصفه هنا بشكل قد لا ينسجم مع ما طبعته في ذهن القارىء عن شخصيته المحدودة العاجزة فتجعله اشبه بشخصية حائرة مليئة بالمشاعر والافكار التي لا تعرف لها مستقرا. تقول جاعلة منه نموذجا "احمد عنوان عصرنا.. روح الشباب المعذب بالوحشة والتخلي. ورغم المرات القليلة التي التقيته فيها فإنه كان يأسرني بتعبير الألم والضياع في عينيه...".
وأحمد "العاجز عن خلق شيء" يعود فيظهر لنا انسانا باحثا في نفسه وعن نفسه لكنه في محصلة ما تصفه به ربما بدا للقارىء نموذجا لما يطلق عليه "السعدنة الفكرية" من كلمة السعدان اي القرد اكثر منه في صورة الانسان الحائر المفتش.
تقول "احمد لا يعرف من يكون! انه يحاول التعرف على صفاته. يحاول بلورة شخصيته. يتعمد ان يدخل في حديثه بعض الأقوال الذكية المهمة التي يحفظها. تهمه الصرعات الفكرية. يحفظ اسماء الكتاب والكتب الذين اثاروا ضجة. يحفظ عناوين الكتب التي منعتها الرقابة...".
ومن ناحية اخرى جعلت منه انسانا يؤمن بالقدر "كي يخفف عذابه". بدا الشقيقان نقيضين لكن حياتيهما كانتا مرتبطتين كتوأمين سياميين. ارتاح احمد بالموت إذ لحق بأخيه. انتهت القصة بموت احمد بسقوط من مكان مرتفع او اسباب اخرى. لكن الكاتبة انهت تلك الحياة المأساوية بقولها "لم اصدق ابدا تلك القصة. فأحمد اراد ان يموت. من نسيج يومه العادي تنبعث رائحة الموت ... احمد كان يبتسم وهو ميت. ابتسامة صافية حقيقية عجز عنها وهو حي".
في قصة "رحمة الكذب" تصوير ذكي لحالات نفسية قد يرفض اصحابها الحقيقة لان الكذب او الوهم يقدم اليهم سعادة وإن كاذبة ومتعة تستحق اثمانا باهظة. هو اب وجد في الستين وهي في الثلاثين وقد قدمت له سعادة التوهم انها احبته. جعلت الحياة تدب فيه من جديد حتى من الناحية الجنسية. وعندما اكتشف الكذبة لم يتصرف تصرف بطل فلاديمير نوباكوف مع "لوليتا" فيحتجزها بل فضل كما يبدو "النوم" على الكذبة لأنها قدمت له ما لم يقدمه الواقع.
يقول البطل انه يظن انه "صعب على رجل في الستين ان يشرح لماذا وكيف صار عاشقا! هذه الجنية جعلتني افهم حياتي وأفتح عيني على الحقيقة...".
اغدق عليها الكثير وحين عاد من سفره سرا ليفاجئها فوجيء بأنها على علاقة مع عشيق تحبه لكنه لم يجعلها تعرف ذلك. تنتهي القصة بهذا التساؤل "أحتاج الى تلك العربدة المدهشة التي تعلمتها في مدرستها. ما قيمة حياة بائسة كحياتي قبلها... اللعنة على الحقيقة. لماذا يستميت الناس لمعرفة الحقيقة. الرحمة في الكذب. السعادة في الكذب. الحب في الكذب..!!".
في قصة "غروب وكتابة" عالم مؤثر من المشاعر. العمر الهارب.. الموت القادم والوحدة والنهايات.. الغروب واقعا ومجازا. تقول "الغروب لا يشبه الكتابة فقط بل يشبه الحب. فالحب الحقيقي يتألق في افوله وقد فارقه الغرور الغبي للشباب وفظاعة الغريزة ولم يبق سوى رحيق حب معتق لحبيب اخير...".
في "مدرسة الأمل للمعاقين" ما يذكر بالمثل القائل ان من يرى مصائب غيره تهون عليه مصيبته. وفي "كفن الاستاذ" صورة مؤثرة لخروج امرأة من قمقم حبسها فيه زوجها الاستاذ الجامعي الذي اراد تحجيمها فلا تخرج من قمقمه. لكن الظلم شدد عزيمتها وجعلها تنتصر وتنال درجة دكتوراه لتصبح استاذة جامعية.
في يوم في حياة ممرضة "تصوير للظلم والفقر والكفاح في سبيل اللقمة. الا ان هذه الممرضة.. الأم الفقيرة.. تعاني من ظلم رئيستها التي حسمت من اجرها يوما واحدا لانها تأخرت دقائق. ورغم حاجتها الى القرش طلبت منها اجازة خمسة ايام دون اجر. فقد شعرت بأن رضيعها بحاجة اليها اكثر من حاجتها -وهي المعدمة- الى القرش".
تفاعل حسي
| ||||
|
قصائد الضامن.. برودة فكرية ولعب مجازي
كلما همت ارتجف خيال البرزخ
قصائد الضامن.. برودة فكرية ولعب مجازي
الاصرار على الاغراق في اللعبة الفكرية والبلاغية التي ما ان يتخلص منها الشاعر حتى يعود اليها عودة حبيب مشتاق.
بيروت - من جورج جحا
مجموعة "كلما همت ارتجف خيال البرزخ" للشاعر السعودي محمد الضامن قد تشكل بالنسبة الى القارىء مزيجا من امور وحالات يخلق بعضها متعة لا يلبث بعض اخر منها ان يقضي على تلك المتعة او يجعل القارىء ينساها او يقلل منها.
قصائد المجموعة من ناحية اخرى اقرب الى ان تكون حالة واحدة. والمقصود بتعبير حالة هنا لا الحالة الشعورية الضرورية لخلق التعبير الشعري المؤثر بل انها تكاد تكون حالة فكرية واحدة او حالات توأمية في افضل اوضاعها. وهذا الامر ربما لا يعد نقيصة الا عندما تتكرر هذه الحالة او الحالات التوأمية في برودة فكرية ولعب مجازي ورمزي وبلاغي كثيرا ما تنقصه هبة دافئة من حياة حارة.
وربما ذكرنا الشاعر هنا بما قيل في البديع قديما من ان المحسنات –
اللفظية والمعنوية منها- خاصة الاولى هي مثل الملح في الطعام.. قليله يجعل الطعام سائغا ولذيذا وكثيره يجعل النفس تمجه او يفسده كليا.
هذا لا يعني ان كل شعر الضامن هو كذلك. فعند الشاعر قدر كبير من الجميل.. الجميل الذي نشعر من خلاله بنسمات من اناشيد سليمان ومن عالم الشاعر ادونيس وغيره. لكن ما قد يعتبر مأخذا هو نوع من الاصرار عند محمد الضامن على الاغراق في اللعبة الفكرية والبلاغية التي ما ان يتخلص منها في قسم من القصيدة حتى يعود اليها عودة حبيب مشتاق.
ضمت مجموعة محمد الضامن 21 قصيدة من "عائلة" قصائد النثر امتدت على 55 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن "الدار العربية للعلوم ناشرون".
لعل القصيدة التي اعطاها الشاعر عنوان "إلاهي" تمثل في ما فيها من توتر ونغم حزين وآلام لم تقصر الكلمات في نقلها بعض افضل ما في المجموعة. الا انها على جمالها تعكس بعض السمات الاخرى عنده فهو يضرب انسيابها العاطفي الدافيء ليحول نهايتها مثلا الى كلام منطقي اقناعي مباشر شبه يومي. وربما لم يكن لهذا اهمية كبيرة فالشعر يقبل في احيان كثيرة بعض ما ذكرنا لكنه لم يكن ليحدث ردة فعل معاكسة لو لم يأت بعد الدافيء الموحي فيخفف من دفئه وإيحائه.
يقول محمد الضامن في القصيدة "سأرحل/ بكل عذابات الشوق/ الى الوجع/ ادخل العالم اقول للرمل/ تطاير شررا.. بدد اللهو في عيني واقتل خمودهما/ النفس هذه المستكينة العائشة على زبد الاخرين/ ارحل في جمادات النفوس/ ايها الوجع الشيخ/ اراك تقتات وهم الاخرين.. اقتل اوجاعهم/ كن ساذجا في النفاق واقتله/ ايها الشيخ.. رحيما انت/ تحول ..تبدل/ ايها الوجع صديق الملمات/ اراك تعشق نفسك وتقتات الاخرين/ هذا انت/ واغل في الدروب..حالم في الكروب/ اقتل وكن انت/ لا تجادل/ لا تجادل.. تجاعيد وجهك تشهدالموت/ كن انت/ واقتل/ كن انت/ واعبد إلهك".
في قصيدة "الطريق" رمزية ومجازات في تصوير موح يقول "اجوس طريقي بمهل اعمى/ ترفق.. فوق ليلي ليل/ وعلى كتفي بخار احلام لا ترى غير الولوج في التيه/ لنمض../ ايها الغد المارق على عكازين احمرين/ لنمض../ فوق جبال لا يهدها صعود ولا ادعية ولا همهمات/ تضعها الامهات تحت الرأس/ نم يا ولدي/ لنمض...".
في قصيدة "الغثاء" نواجه في غالب ما نقرأه منها عودة الى اللعبة الفكرية.. لعبة المجرد او شبه المجرد البارد وبعضه يأتي من خلال لعبة الالفاظ في مجازات يصعب تحميلها شحنات عاطفية كما انها كمجازات محدودة في ما تنقله ولذا فهي تبدو اقرب الى خروج من حدود "الصنعة" الى شيء من "التصنع" على حد تعبير النقاد العرب القدامى.
ومهما يكن من امر فالشاعر رومانسي في مشاعره وحالاته النفسية وأفكاره والحزن المسيطر على عالمه كله لكنه احيانا كما في هذه القصيدة يبدو انه يقع في ما اشرنا اليه.
يقول "أسألكم الانعتاق/ يا وهم الطبيعة/ تتفوضى المشاعر/ تتوضأ عقول بالنباتات/ كتبنا/ وها احارب الاكتئاب/ وأتضيع/ علامات تنكت في فراغ الخيال/ انشطر/ على مسامات الحس تتبعثر النفس.. ادوخ/ وتخجل الكرامات التي تربت في جسدي/ انفجر/ من هموم القذارات/ من عهود البشارات/ من ادمغة صلت/ اوقعت في نفسي خوفا !!!".
في قصيدة "تشققات في مدارج الروح" صور تحمل جمالا لكننا ربما تساءلنا عن موقعها في النسيج الشعري بل عن علاقتها به احيانا. يقول الشاعر "ابصر وجهي عالطريق/ وكنيسة عيني واقفة تشتهي غرقا/... ثم انكببت وانتظرت/ وجه خلقته رجعة الخوف/ ووجه مخلق نسيانا/ فأعبر/ يا نسيان بين اللغات المتروكة خلف الهواء في قلبي...".
"انا لماذا لأي شيء/ واقف امام مشرحتي/ ازرر نعاس وجعي/ ليس الطريق الذي اعبر/ غير دم يرجف لا ناقة الروح.../ خسرت وجهي في الملهى/ جسدي عطر.. وعطر.. وجهي ضائع/ وأنا بالضياع اضيع لا لكي اضيع/ الا في الضياع/ فيا حارس المخانق كن لي عصيرا..." .
تشعر بأنه لابد من كلمة. انت لا تعرف شيئا عن الشاعر فدار النشر لم تذكر سوى انه سعودي. هل هذه هي مجموعته الاولى ام انها واحدة من مجموعات. تشعر بأنه لابد من القول ان عند محمد الضامن طاقة شعرية وقدرة على خلق الجميل الموحي لكنه ربما كان يغرق كل ذلك في عملية ذهنية بلاغية وصور ومجازات ربما كان كثير منها "مجانيا" لا يدخل في صلب نسيجه الشعري. وليس لاي منا ان يقول لشاعر ما عليه ان يفعل.. لكن القارىء يحق له ان يشكو مما يبدو له انه "يشوش" على جمال قصيدة او يشوه بعضه. وعند محمد الضامن اشكال كثيرة من الجمال فخسارة ان يشوه شيء بعضا منها.
ذاكرة الأدب
بداية الرواية في 'البيان' تنبيء عن وحدة افتتاح دنيا
الرواية الجزائرية المعاصرة كانت أسيرة لقصة العنف التي عاشتها الجزائر، فلم تستطع الخروج عن دائرة العنف.
ميدل ايست اونلاين ويتابع أشهبون في دراسته "خطاب (البداية) الروائية في النقد العربي" المنشورة بالعدد الجديد (477) من مجلة "البيان" الكويتية أنه ليس هناك معايير نصية صارمة بخصوص طبيعة ملفوظ "البداية" في الرواية من حيث الكم أو الكيف، يستتبع هذا الاستنتاج أن فن صياغة "البداية" لا يخضع لقيود شكلية يكون الروائي ملزما بالامتثال إليها، بل فيها قدر كبير من الحرية الفردية المتعلقة بذات الروائي، وهو يضع بدايته التي قد تكون أطول قليلا من الجملة الواحدة، باعتبارها وحدة افتتاح دنيا، إلى حدود أوسع قد تشمل الصفحة أو أكثر. ويعول صاحب الدراسة على رولان بارت الذي يتساءل في إحدى مقالاته الهامة، وانطلاقا من عنوانها الحابل بالدلالات، السؤال التالي: "من أين نبدأ؟" وحول هذا التساؤل بالذات ستنكتب مجموعة من الدراسات النقدية الحديثة، باحثة عن مشاريع أجوبة واقتراحات بخصوص هذا الموضوع البكر في الدرس النقدي الغربي آنذاك. ويتوقف الباحث الإيراني د. سيد إبراهيم آمن عند المصادر الدينية والتاريخية في ديوان عبدالرزاق العدساني. ويكتب الناقد السوري د. سمر روحي الفيصل عن رواية "ليلة الجنون" للكاتبة الكويتية منى الشافعي مشيرا إلى الرومانسية في أعلى تجلياتها، موضحا أنه ليس من المفاجئ أن تكتب منى الشافعي رواية "ليلة الجنون" بل المفاجئ أن تحرص فيها على إحياء الأسلوب الرومانسي الذي نسيه الروائيون أو تناسوه. ويرى الفيصل أن الرواية (بعامة) تسعى إلى إيهام متلقيها بالواقع ليرتبط بالنص الروائي ويتفاعل مع حوادثه، وليس في أسلوب رواية "ليلة الجنون" ما يخالف هذه القاعدة الروائية. ويلفتنا الناقد إلى أن بناء رواية الشافعي ـ التي كتبتها بعد 17 عاما من إصدارها مجموعتها القصصية "النخلة ورائحة الهيل" 1992 ـ قائم على شخصية روائية واحدة، هي شخصية "سارة"، بل إن بناء الرواية يكاد يكون بناء سيريًّا، يرصد طوال ستة وخمسين قسما حقوق قلب سارة مذ كانت طالبة إلى أن أصبحت أستاذة جامعية وشاعرة مشهورة. ومن مصر تكتب هويدا صالح عن متعة الاكتشاف "في غابة المرآة"، وهو كتاب ترجمه سليمان حرفوش، ويشتمل على مجموعة من الدراسات والمقالات عن الكلمات والعالم للكاتب الفرنسي ألبرتو مانغويل الذي يريد الحرية دفعة واحدة. أما الناقد الجزائري د. الشريف حبيلة فيتناول تداعي زمن النص وزمن العنف في الرواية الجزائرية، مشيرا إلى أن الرواية الجزائرية المعاصرة كانت أسيرة لقصة العنف التي عاشتها الجزائر، فلم تستطع الخروج عن دائرة العنف، وما كان منها إلا أن تتخذها مادة حكائية لها، شكَّل العنف بداياتها ونهاياتها، وزمنها المحوري، من خلال القرائن التاريخية والإشارات الزمنية التي وظفها الخطاب. وهو في سبيل ذلك يتوقف عند عشر روايات جزائرية هي: سيدة المقام، ذاكرة الجسد، امرأة بلا ملامح، الشمعة والدهاليز، تيميون، يصحو الحرير، دم الغزال، بين فكي وطن، الشمس في علبة، وكراف الخطايا. في مجال المسرح يكتب الناقد المسرحي المغربي محمد الكرافس عن فلسفة يوجين أونيل في الكتابة ودوره في تغيير مسار الدراما الأميركية متوقفا عند مسرحية "رحلة يوم طويل في جنح الليل" التي جاءت بعد صمت رهيب ميز حياة أونيل الإبداعية خلال فترة الثلاثينيات من القرن الماضي بسبب مرض غامض أصاب يديه، وكرد فعل على هذا الصمت جاءت تلك المسرحية. ويطلعنا عبدالمحسن العصفور على وثائق نادرة عن أمير الشعراء أحمد شوقي، مستدركا بذلك على كتاب "أحمد شوقي في المصادر والمراجع" الذي نشرته مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري كأحد إصدارات "دورة شوقي ولامارتين" أكتوبر/تشرين الأول 2006، وخلا من بعض هذه المصادر والمراجع، ومنها دراسة د. شكري فيصل (1918 ـ 1985) عن نثر شوقي التي يضمنها العصفور مقاله. ويشير الباحث إلى أن كتاب مؤسسة البابطين خلا كذلك من الإشارة إلى بضع عشرة مقالة تتحدث عن شوقي ونشرت في مجلة "العربي" التي تصدر في الكويت. وإلى جانب مجموعة من القصائد والقصص التي نشرتها "البيان"، يفتتح رئيس التحرير سليمان الخزامى، العدد الجديد بمقال عن "دوحة الثقافة" بمناسبة اختيار العاصمة القطرية "الدوحة" عاصمة للثقافة العربية 2010، بينما ينهي العدد أوراقه بلمسة وفاء عن الشاعر الكويتي الراحل عبدالمحسن الرشيد (1926 ـ 2008) ضمير المجتمع. أحمد فضل شبلول ـ الإسكندرية
كتب ـ أحمد فضل شبلول يرى الناقد المغربي د. عبدالمالك أشهبون أن النقد العربي لم يعر اهتماما كبيرا لموضوع "البداية" في الرواية التقليدية منها والجديدة، فباستثناء قلة قليلة من الدراسات (وأغلبها عبارة عن مقالات) التي غامرت في بحث هذا الموضوع البكر (صبرى حافظ، رشيد بنحدو، ياسين النصير، نورالدين صدوق، جليلة الطريطر، عبدالفتاح الحجمري، عبدالعالي بوطيب، بوشعيب حليفي، حميد لحميداني ...)، فقد ظل موضوع "البداية" أمرا غير مفكر فيه، مقارنة مع مجموعة من القضايا الأخرى التي استأثرت باهتمامات الناقد العربي.
'سيدات زحل' رواية ترتقي إلى مستوى الكارثة العراقية
رواية لطفية الدليمي لا تنحصر في كونها تاريخ العراق بل تاريخ وطن كامل يمتد الخراب فيه إلى حدود الحلم.
عمان ـ صدرت في عمان رواية "سيدات زحل" للكاتبة لطفية الدليمي التي تؤسس لعالم الجحيم العراقي عبر الأزمنة، ذلك الجحيم الذي تطمح الكاتبة لرسمه بدقة متناهية، دون أن تغرق فيه، رغم ذيوله الجهنمية التي تطال كل شيء، فهي ترصد العراق بعذابات عصوره التي تصل به إلى ما هو عليه من قتل وانتهاك حتى للهواء، الدمار والاغتصاب والقتل والطائفية لتقوم – عبر استنهاضها لروح الأسطورة ومجالدة الموت - قيامة الحب، وتستعاد إنسانية الوجود بتجليات العشق والكشوف الروحية والجسدية.
تكشف الدليمي حلمها بفردوس مشتهى دون أن تقوله، وفردوسها عالم من لحم ودم ورجال ونساء ورؤى، من حلم وأمل يستنهضه المستغرقون في الكشف حتى الغياب، سادنه قيدار البابلي، الغائب/الحاضر، سادن يستوطن الفعل، ويظل أمينا على الحقيقة وحراسة الفن والجمال والمعنى الذي يحاولون تغييبه لتدوم قيم الحضارة الإنسانية مقابل دموية الطغاة والغزاة.
وأمينة سر قيدار، حياة البابلي راوية الحكايات في هذا العمل الروائي الفسيفسائي - كحال العراق – تقدم لنا غرائبية الحاضر وظلال الماضي ورؤية الغد عبر موشورات متباينة من العصور والأحداث والرؤى بتقنيات سردية خاصة تنتمي للكاتبة وتجربتها الإبداعية وتتجانس مع ثيمة العمل الملتهبة.
ترتقي هذه الرواية إلى مستوى الكارثة العراقية التي حلّت بالعراق إثر انهيار الدكتاتورية وسقوط بغداد، ليس بأيدي القوات الأنكلو - أميركية والقطعات الدولية المتحالفة معها فحسب، وإنما بأيدي المتشددين والظلاميين والمليشيات الدينية ورجال القاعدة ومجاميع الجريمة المنظّمة والذبّاحين واللصوص والسلابين والمبتّزين وقُطّاع الطرق.
وليس غريبا على روائية بقامة لطفية الدليمي أن تكون بموازاة الحدث التراجيدي الكبير الذي ألمَّ بالعراق إثر حصار ظالم وثلاثة حروب كونية في فظائعها وتداعياتها المرعبة، فهي كاتبة ملمّة بأدواتها الفنية وتعرف كيف تتلاعب بوحدات نصها السردي من زمان ومكان وحدث وشخصيات تتحرك على وفق اشتراطات الحبكة الفنية التي تتطابق مع الواقع المؤسي تارة، وتفترق عنه لتحلّق في الفضاء الفنتازي الذي تخلقه الروائية تارة أخرى، آخذين بالاعتبار أن الواقع العراقي الذي تتناوله الرواية يمتد من تأسيس بغداد ومرورا بعام 1258 حينما سقطت بغداد على يد هولاكو وجنوده الغازين الذين سلبوا البلاد، ونهبوا ثرواتها، واغتصبوا نساءها، وأحرقوا مكتباتها، وحولوا مدنها وحواضرها الى أكوام من رماد، ويستمر حتى الوقت الحاضر الذي استبيحت فيه بغداد من جديد وتسيّد فيها قانون الغابة وكأنها وقعت تحت طالع زحل المشؤوم.
لا شك أن "سيدات زُحل" ملحمة نسائية محورها حياة البابلي التي دوّنت كل شيء، وبطلاتها الأخريات سلسلة طويلة من النساء تبدأ بأمها بهيجة التميمي، وتمرّ براوية وفتنة ومنار وآمال وزينة وسامية وهالة وشروق ولمى وهيلين، وتنتهي ببرسكا برنار، وغيرهن من النساء اللواتي يظهرن ويتلاشينَ على متن هذا النص الملحمي الطويل مثل ناهدة وساهرة وسهام، غير أن أمانة التوصيف تقتضي منا أن نسمّي الأشياء بمسمياتها، فدور الرجال ليس مكمّلاً أو ثانوياً على الرغم من هيمنة العنصر النسوي.
فحياة يقابلها في المحنة والمأساة طليقها حازم الذي تعرّض لفعل الإخصاء من قبل أزلام النظام السابق، وراوية التي كان رأسها مطلوباً من الذباحين والمتشددين يوازيها حامد الأخرس الذي بَترت السلطة المستبدة لسانه لأنه قرأ حواراً لمكدف مع مالكوم بالعربية، وفتنة التي اختطفها حماية أحد المسؤولين يقف إزاءها الشيخ قيدار الذي ظل الغائب الحاضر على مدار النص.
ولا يمكننا أن نغض الطرف عن أشقّاء حياة الثلاثة الذين واجهوا مصائر مفجعة تتوزع بين القتل والإعدام، كما هو حال مهنّد وماجد، والاختفاء، كما هو حال هاني، والاختطاف، كما هو حال سرمد، ابن هاني.
وعلى وفق هذه القراءة المحادية يمكننا توصيف هذه الرواية بأنها نص ملحمي إنساني يعتمد على سيرة أناس عراقيين قادرين على تحمّل المصائب والويلات، وسيرة مدينة عجيبة مثل بغداد قادرة على تحمّل المحن والكوارث لأن عشاقها ومريديها يخبئونها، في أوقات الشدائد، مثل كنز ثمين في أرواحهم التي تحلّق على جهاتها الأربع.
"سيدات زحل" ليست مجرد رواية تقرأ، أو درب يعبر، أنها مجموع الاسئلة التي ترتطم بوجوهنا التي تصخرت أمام ضياع كل ما هو إنساني فينا وحولنا.
نصٌّ روائي يحرضك على طرح الأسئلة /الفعل، لأنه يضعك أمام ضرورة استحقاقات وجودك الإنساني.
ملحمة روائية تكشف عن جذر الخراب وتلملم شظايا الواقع لتعيد بناء الإنسان بالحب واسترداد قدرة الحلم، فبقدر ما تمتلك خصوصيتها العراقية الساطعة، تتجه بقوة إلى كونيتها لتكون حكاية الجميع وحلم الجميع وتاريخ الجميع قتلة ومقتولين وعشاقا وحالمين ورؤيويين.
كثيرون هم الذين كتبوا عن الحرب العراقية، لكنهم على الأغلب كتبوا المتخيل الذي لم يستطع أن يرقى إلى فظاعة المشهد الواقعي الذي عاشته لطفية الدليمي وكتبته من الداخل، فكتبت تاريخ مدينة وناس من لحم ودم وانعجنت في لحم الحقيقة والواقع الذي يفوق المتخيل إدهاشا وغرائبية.
ما كتبته لطفية الدليمي في هذه الرواية لا ينحصر في كونه تاريخ العراق بل تاريخ وطن كامل يمتد الخراب فيه إلى حدود الحلم واغتيال بياضه وتاريخ الإنسانية المعذبة.
لقد نجحت رواية "سيدات زُحل" في أن تكون بمستوى الكوارث التي حلّت بالعراق منذ تأسيس بغداد، مروراً بسلسلة الاحتلالات التي تعرضت لها العاصمة، وانتهاءً بسقوطها المروّع الذي جسدّته لطفية الدليمي في عملٍ روائيٍ شديد البراعة والإتقان.
أصدّق شمس الشتاء
: | ||
عـناق الفـردوسي والأرضـي! | ||
د.حسام عقل | ||
جسدت لعبة المفارقة واحتضان النقائض انشغالاً تقنيًا ناصعًا في التجربة. وأفصحت اللعبة عن ذاتها مبكرًا في العنوان ذاته: "أصدق شمس الشتاء" حيث تألقت حقيقة "الضدية" بين حرارة الشمس ودفئها من وجه، وصقيع الموسم المناخي وبرده اللاذع من وجه آخر. وتسربت المفارقة لاحقًا إلي مظاهر المعجم وتجلياته، فضلاً عن نسيج الصورة الشعرية ورفيف الرموز الطّافرة. وقد غلبت علي التجربة في شريحتها المؤثرة الولاءات الرومانتيكية بطابعها المخملي الفخيم، كما غلب علي قسم كبير من الصور "روح صوفي" شفيف لا تخطئه العين. ولا أحسبني متزيّدا إذا قلت إن قسما وافرا من قصائد الديوان يتقمص، بإجمال، "أجواء علوية" استدعت عوالم البرزخ ومشاهد الآخرة، بهلعها وسحرها، بما غذّي بالتراكم الدلالي لونا من ألوان التناص مع "رحلة المعراج" تألق في خلفية المشهد بنصوع. فكانت التجربة الشعرية الماثلة، في أنساقها الكبري، تتمة وامتدادا للأدب المعراجي الذي عرفته فنون القول بدءا من كوميديا "الضفادع" لأرسطوفانيس ووصولا إلي ومضات أبي العلاء الساخرة في "رسالة الغفران" أو مطهر دانتي في كوميدياه الإلهية الشهيرة أو لوحات ملتون الحارة في فردوسه المفقود. إن مسعي الذات الشاعرة في التطهر بالعروج أو الصعود، قد طبع آثارا غائرة علي الأداء اللغوي بإجمال، فلم يكن عجيبا أن تهيب القصيدة بلغة القرآن وتغذو من منابعها الرقراقة بلون من التوسع. ولم نلبث أن تبيّنا أن جنان الذات الشاعرة وفراديسها ليست علوية أو مركوزة في الملأ الأعلي كما سبق إلي الوهم، بل إنها في الجوهر أرضية متجذّرة في هذا العالم الطيني، مغموسة في أديمه: "كأس البحر اندلقتْ في قلب العالم نافورة خمر/ سارت في أضلعه وهجا/ واتقدت وقدهْ/ يجري الموج ويجري/ حتي يمهد للدنيا دربا من فيروز محبته/ ويمدّهْ". وعلي هذا النحو انفرجت، بقوة، مساحة المفارقة بين "الطيني" و"العلوي" وتشربت القصيدة في أجوائها سِمَة "تداخل العوالم". وهو ما حمل في تذييل المشاهد ما أسماه الناقد الألماني الكبير "روبرت ياوس": "كسر أفق التوقع". إيقاعيا، اكتظت جعبة الشاعر بفنون المناورة الصوتية، وتألقت البراعة الموسيقية في القدرة علي حشد فونيمات صوتية بعينها (متماثلة أو متقاربة المخرج) بتكديسها في مقطع واحد بما يخلق في الحواشي إيحاء صوتيا تلتقطه الأذن سريعا. وتنماز المنطلقات الرومانتيكية هنا بسمة تباعد بينها وبين مثيلاتها في مطالع القرن الماضي. وهي حفول التجربة "بدلالة اجتماعية" تجاوز بها تخوم الطابع الفردي إلي الأفق الجماعي الناضج الحافل بالكفاح. وتوثقت من، جهة أخري، جدائل الصلة الوثيقة بين القصيدة والآماد الطبيعية والكونية الرحبة، فاستوحت الصورة الشعرية مفردات المروج والأنهار واشرأبت، باستيحائها الشامل، إلي كواكب الفلك ونيازكه وأقواس مجراته. وهو ما تجسد بوضوح في قصيدة "تبيعين لي كوكبا في السما". وبرغم الإقرار بأن طائفة من الصور الشعرية اختنقت بانقطاع النفس الكتابي، وكنا نرجو لها كمال الاستواء والنماء، فإن عمر حاذق، في باكورة منجزه المطبوع، قد منحنا انطباعا لا سبيل إلي دفعه بأن الميلاد كان باذخا بحق، مفعما بالقوة والبهاء. |
أيام النوافذ الزرقاء:
أيام النوافذ الزرقاء: | ||
محـاولة إضفـاء معني عــلي الخــواء! | ||
10/04/2010 11:00:11 ص | ||
د. شىرىن أبو النجا | ||
|
أحمد زغلول الشيطي: لا أريد أن أتحول إلي أيقونة!
بعد » ضوء شفاف ينتشر بخفة«. | ||
حوار أحمد وائل | ||
يحاول أن يقدم نفسه، في هذا الحوار، بعيداً عن هذه التجربة.. هذا ما يؤكده بمجموعته الجديدة "ضوء شفاف ينتشر بخفة" الصادرة مؤخراً عن دار "ميريت". يري الشيطي أن روايته الأولي صارت عبئاً:" صرت معروفاً بوصفي صاحب ورود سامة لصقر فقط". نجاح الرواية الأولي ربما يكون قد ظلم مجموعتين قصصيتين تاليتين، لهذا يتساءل الشيطي: هل سيحدث ذلك مع مجموعته الثالثة؟ في هذه المجموعة يحاول الشيطي إعادة تقديم نفسه.. لكن لا مفر من الكلام عن الرواية التي دشنته كـ"كاتب كبير"..حسبما يستعيد ماقيل وقت صدورها. "كانت طلقة، صرخة مدوية"، كتبها بانفعال. كان يجلس في منزله بدمياط، وهو لا يزال صبياً في السادسة عشرة، يُظلم الحجرة التي يكتب بها، ويُسلّط بقعة ضوء من "أباجورة" علي أوراق بيضاء يكتب علي سطحها بقلم جاف " كانت الكتابة لحظة عزلة .. أضغط بشدة بالقلم علي الأوراق.. كانت الكتابة بهذه الطريقة انعكاساً وترجمة للانفعال ولانكشاف الرؤية". حينما انتهي الشيطي من روايته عام 1989 كان د.سيد البحراوي في دمياط، التقي به الشيطي الكاتب الشاب وقتها علي مقهي، وقال له:"خد الرواية دي.. حتحدث أثر زي "تلك الرائحة" كان الشيطي واثقاً من روايته، ومن نجاحها. يبرر ذلك بأنه كان قد قرأ جميع الكتابات وقتها، وهكذا أيقن أن عمله الصادم سيكون عملاً مختلفاً، وسيحدث حراكاً. >>> الآن، وبعد عشرة سنوات، صار الشيطي يفضل الكتابة بالمقهي: "حدث تحول ما، أحاول الخروج من العزلة والكتابة بالمقهي". >>> "لم أنقطع.." هكذا يؤكد الشيطي عدم ابتعاده عن الكتابة. هو ابتعد- جسدياً- عن الحياة الثقافية فقط: "لم أنقطع عن الكتابة.. أنا كاتب، أدرك أن حقيقتي تكمن في كوني كاتباً. حكاية الشيطي مع الكتابة تعود إلي طفولته حينما كان يحكي لزملائه بورشة "الأويما" حكايات من تأليفه، كان يسرد لهم أحلاماً، يتمني تحقيقها: "كانت الحكايات هي المتنفس، كنت أمارس الكتابة شفوياً"، بعد ذلك مارسها بشكل احترافي في منتصف الثمانينيات: "كانت ورود سامة صرخة ضد العالم الذي كان مناقضاً لأحلام الأويمجي، الطفل الذي كنته". اكتنزت هذه الصرخة جميع المعاني داخلي، استنفذت التجربة جماع روحي.. وكان من الطبيعي أن تأتي بعدها فترة تأمل"، فترة التأمل التي طالت قليلاً، كان سببها نجاح الرواية الأولي وقت صدورها: "استمر رجع الصدي لسنوات، لم تتوقف أصداء وورد سامة حتي الآن..فوجئت أنهم يأخذون الرواية كفاتحة لكتابة التسعينيات"، الآن يحاول الشيطي محاربة كونه صاحب هذه الرواية، "أريد أن أصنع مغامرات أخري"، لا يريد أن يتحول إلي "أيقونة"! "الرواية التي كتبتها تحيا حياتها بعيداً عني، وبقيت أنا متورطاً في حياتي. أبحث عن مخرج.." تغيرت حياته تماماً، ابتعد عن الوسط قليلاً، ركز في العمل بالمحاماة، لا يمكن أن تكون المهنة الوحيدة هي الكتابة. ترك دمياط، واستقر حالياً في القاهرة.. رد فعل الشيطي علي النجاح كان الابتعاد، لكنه يبرر ذلك بقوله: "كنت أحاول أن أحيا.. أنا أحاول إعادة المحاولة. أسجل حالة مختلفة لي ككاتب. أن الكاتب يتكلم من موقع آخر". لذا يراهن الشيطي علي المجموعة الجديدة، هكذا جاء الكتاب " ذا طبيعة إشكالية"، في زمن تنتشر فيه الرواية أصدر الشيطي نصوصاً قصيرة. لم يرد أن تكون العودة برواية: "جميع الأصدقاء نصحوني بذلك، لكني فضلت أن أعود بنصوص تثير إشكالاً فيما يخص التصنيف والنوعية". >>> نصوص المجموعة لا تعتبر قصصاً، بل نصوص عالية السرد، تكاد تكون روايات مكثفة" البعض يري النصوص روايات مضغوطة، لكنني أعتقد أنها كتابة تعكس مزاجاً ورؤية خاصتين للعالم". أقول له:" النصوص كأنها روايات مكثفة بالفعل، روايات مختصرة تحوي الشخصيات، وتصور مختزل للعالم وحبكة حادة، فيقول:"من الممكن أن أعود إليها مرة أخري وأفككها.. لا يوجد نص نهائي". >>> بالفعل سيفكك الشيطي أحد النصوص حيث يكتب الآن رواية جديدة ..تنطلق من أحد نصوص المجموعة، في هذا النص يجلس الكاتب أمام شاشة "لاب توب" ويتأمل زبائن "الكافيه"..ولا تزال الرواية في طور الكتابة حتي الآن. هكذا خرج من مكتبه في دمياط، من خارج بقعة الضوء المسلطة علي أوراق "ورود سامة لصقر" إلي صخب الأضواء في "الكافيه".. >>> لا يري نفسه منتمياً إلي جيل محدد: "أنا نسيج وحدي". رغم ذلك يحدث معارضة مع نص "في انتظار كوكي" لمصطفي ذكري، وذلك في نص الأول "باطن". زغلول يجادل ذكري من بعد، يناقشه في النص، ويصارحه أن سر جمال النص يعود إلي غياب كوكي: "لو حضرت كوكي لضاعت جماليات النص". أسأله عن سبب المعارضة فيقول: "أردت أن أقول إن هذا النص أقرب إلي جمال وإتقان سجادة فارسية، لكن هذا الإحكام ناتج عن غياب العناصر الفاعلة، أي غياب الآخر ..كوكي." ويتابع: "لو حضرت كوكي لصارت السجادة الفارسية حصيرة مصرية"! يري الشيطي أن الكاتب عليه أن يبذل بعض التضحيات، أن يخاطر بالجمال من أجل الحياة.. من أجل أن تكون الكتابة واقعية، يظهر بها الآخر: "الناس لابد ان يقتنعوا بالكتابة.. أن تكون الكتابة حياة، وتسعي إلي صنع حالة من الإقناع..حالة من التواصل". تبدو هذه الفكرة قريبة من فكرة أحد نصوص المجموعة الجديدة "بائعة التين الشوكي"، أشير إلي هذا التقارب فيعلق :" بالفعل، أتمني أن استطيع أن أحضر البائعة دون أن أخل بجماليات السرد.. أريد للكتابة أن تخرج من مأزق العزلة، لا يمكن أن تكون الكتابة معزولة عن جميع المؤثرات والشخصيات الفاعلة.. هذا مأزق كبير، لأن جودة الكتابة تتأثر بعملية "الصنفرة" الزائدة"! رغم ذلك يريد الشيطي أن "يحضر العالم كله إلي النص.. دون أن يفقد من جمالياته"..هذا هو التحدي الذي يشغل الكاتب الذي ولد كبيراً. >>> يتمني ان يكتب واقعاً موازياً: "أنا غير مشغول بالإحالة إلي الواقع، هذا مناسب جداً لك إذا كنت تتأمل العالم، ولا تعيشه".. كتب الشيطي نصا عن ثلاثة نمور حزينة زارت شخصاً وحيداً وشربت معه الشاي: "السهولة الخادعة للتعبير في هذا النص، ربما يراها القارئ كأنها مجرد كتابة جمالية، لكنه إذا قرأ النص بروح الشريك مثلاً سيلاحظ مدي وحدة الشخص المضيف، وأنه لا يشارك فيما حوله، بل يتأمل العالم فقط.. هذا النص، والمجموعة ككل، تشكل مرحلة تأمل وقراءة للعالم طوال فترة استراحة بعد ورود". >>> يروي الشيطي حكاية طريفة.. أثناء كتابته لـ"ورود" رأي أن دلالة عنوان جيمس جويس "صورة الفنان في شبابه" مناسبة تماماً لشخصية صقر، خاصة أنه شاعر، وشاب، هكذا جاء ذكر "صورة الفنان في شبابه" بالرواية، لكنه فؤجئ بنقاد يشبّهون روايته بعمل جويس: " لم أقرأ "صورة الفنان في شبابه" حتي الآن، قرأت أعمال أخري لجويس، لكني لم أقرأ هذا العمل.. لا أعرف- بصراحة- إذا كان تشبيه العملين ببعضهما أمراً جيداً أم سيئاً!". > مقال محمد عبد النبي عن الرواية »ص31« |
حتى السعودية تقرأ عاموس عوز
أحد أهم الأعمال الأدبية الاسرائيلية تترجم الى العربية وتعرض للبيع في العديد من دول المنطقة.
الرياض/القدس - تُرجم أحد أكثر الاعمال الادبية الإسرائيلية مبيعا الى اللغة العربية وعُرض للبيع في دول عربية. وترجمة رواية "أسطورة عن الحب والظلام" للمؤلف الاسرائيلي عاموس عوز هي أول ترجمة هامة لنص ادبي عبري الى العربية. وعرض الكتاب للبيع حتى في السعودية احدى أشد الدول العربية تحفظا. وفي معرض للكتاب مؤخرا بالعاصمة السعودية الرياض سنحت للزوار فرصة للحصول على الكتاب بفضل خالد المعالي صاحب دار الجمل للنشر. وقال المعالي "كان الاقبال فعلا فاق التصور والانتظارات ذلك أني قد أنجزت طبعة محدودة من الرواية خشية ألا تحظى بالاهتمام من القارئ العربي لكن الاهتمام كما قلت سواء كان عبر اهتمام في الصحافة الثقافية العربية أو من القراء كان فائقا وايجابيا على الاغلب وهذا شيء جميل جدا يعني والامر هذا يدعو الى أن ننشر قريبا طبعة ثانية من الرواية". والكتاب مذكرات شخصية لعوز تأخذ القراء الى طفولته منذ اللحظة التي انتحرت فيها والدته عندما كان عمره 15 عاما وعندما شب في اسرائيل خلال الاعوام الاخيرة من الانتداب البريطاني في فلسطين. انها مزيج من الكوميديا والتراجيديا لتقديم صورة حميمية لصبي يدخل في طور البلوغ وصورة لدولة وصراع عمره 60 عاما. وقال عوز "أسطورة عن الحب والظلام هي سيرة ذاتية تكشف قصة أسرتي لكنها أيضا قصة ميلاد اسرائيل. من المهم لي بشكل خاص أن تترجم هذه القصة الان الى العربية وتنشر وتوزع في العالم العربي". لكن اصدار الكتاب في الشرق الاوسط لم يمر دون مشاكل. وعرضت مكتبة الفرات في حي الحمراء ببيروت الكتاب ثم تراجعت عن ذلك بعد قليل خشية حدوث رد فعل من الجماعات المناهضة للتطبيع. وأحمد زين الدين ناقد أدبي تنشر مقالاته في عدة صحف يومية مثل الحياة والسفير. وحبس زين الدين نفسه في منزله لثلاثة أيام لقراءة الرواية التي تتألف من 750 صفحة. وكتب مقالا عنها في صحيفة الحياة نشر في الشهر الماضي. وقال أحمد زين الدين ان عاموس عوز "ذكي وعنده حنكة وعنده قدرة هائلة على تبطين الموقف الادبي بموقف سياسي معين لا يظهر بسهولة فدائما عاموس عوز يتحدث عن العنف.. ضد العنف هو.. لانه هو بتيار السلام.. يتحدث ضد العنف لكن لا يتحدث عن الاحتلال.. عن العنف الاسرائيلي تجاه الفلسطينيين.. ولا يتحدث عن الاحتلال الاسرائيلي لارض فلسطين.. هون الاشكالية الموجودة.. بعتقد قراءة عاموس عوز قراءة صعبة ويمكن أحيانا مخيفة بصراحة". ويؤيد الناقد ترجمة الادب الاسرائيلي الى العربية ويعتقد ان ذريعة ان الانفتاح بهذه الدرجة قد يؤدي الى التطبيع مع اسرائيل اصبحت غير ملائمة مع مجيء الانترنت ووجود الوف المصادر المتاحة. وقال "عندما ترجم جميل غنايم من العبرية استطاع ترجمة هذه الخصوصية للغة التي يسمونها افانس الدقائق الصغيرة التي لا يعرفها أي مترجم عن لغة وسيطة مثل الفرنسية أو غيرها هذا يعطي مصداقية أكتر للكتاب ويعطي ايضا صورة عن أسلوب عاموس عوز". ودفع الياس خوري وهو محام من القدس نفقات نشر الكتاب بالعربية وتوزيعه في العالم العربي. وأهدى خوري الكتاب الى روح ابنه الراحل الذي لقي حتفه في هجوم لنشطاء في 19 مارس/اذار 2004. ويأمل عوز في ان تساعد قراءة الجمهور العربي بأعداد كبيرة لكتابه في تجاوز الفجوة بين العرب والاسرائيليين. وقال "يحدوني الامل في ان يحظى بالقبول في العالم العربي. نشرت بالفعل مقالتان جيدتان في الصحافة العربية ويحدوني الامل في أن يفتح هذا الكتاب الكثير من القلوب في العالم العربي وأن يحسن التفاهم بين العرب واليهود". وكان لدى زوار معرض الرياض الدولي للكتاب انطباع ايجابي ازاء العمل. وقال خالد الحويجي وهو محاضر في جامعة الملك فيصل "حقيقة الكاتب رغم انه من دولة اسرائيل المحتلة للاراضي العربية.. لكن لابد نكتشف ماذا يفكرون فيه.. ان كان اسرائيلي أو ألماني أو نصراني أو أي ديانة أخرى.. يجب ان نستطيع أن نحصل على المعلومات والافكار التي يفكرون فيها حتى نستطيع ان نتعامل مع الاشخاص الاخرين. ولا يمنع.. المعرفة والعلم والادب والثقافة مصادرها متعددة والحصول عليها يجب أن يتم بالاستطلاع المستمر حتى يستطيع الانسان أن يكون عنده مخزون". ونشرت رواية "اسطورة عن الحب والظلام" للمرة الاولى باللغة العبرية في عام 2002 وترجمت منذ ذلك الحين الى 16 لغة. ويعتبر عوز اكثر المؤلفين الاسرائيليين تميزا وهو احد مؤسسي حركة السلام الان. وورد اسمه ضمن المرشحين لجائزة نوبل للاداب.
رواية 'رغبات.. ذاك الخريف 'تتناول محرمات الدين والجنس والسياسة بفذلكة لغوية لا تسقط في السائد.
بيروت - من جورج جحا رواية ليلى الاطرش الجديدة "رغبات..ذاك الخريف" اتهمت -دون مبرر كما يبدو بوضوح للقارىء الناقد- بأنها انتهكت المحرمات التقليدية الثلاثة في عالمنا فتحدثت عن الدين والجنس والسياسة. الرواية تبدو للقارىء نسيجا من الشعر والصور ومن الاحداث اليومية والتاريخية والجغرافيا والاحلام والخيبات. وهي خاصة في القسم الاول منها نسيج ذو جاذبية قد لا يمكنك التخلص منها اذا اردت.. وانك على الارجح لن تريد. قراءة هذا النسيج الذي قد يكون مذهلا احيانا كثيرة تستحضر الى الذهن صورة عما يطلق عليه تعبير "المسح الجوي فهو سريع في تنقله لكنه يلتقط كل الاشياء او جلها ويقدمها لك باختصار لكنك تستطيع ان تقرأ فيها الواقع فهي تنطوي عليه. الا ان الكاتبة حين تحط من "طائرتها الماسحة" وتركز على بعض الموضوعات من موضوعاتها العديدة -كما في القسم الاخير من الرواية- تستطيع ان تكثف وتفصل وربما شعرالقارىء بشيء من الاعادة هنا او هناك لكن قدرة الكاتبة الفنية تمنعك من الوقوع في الملل الذي قد يرافق الصور والافكار المعادة عادة. وليلى الاطرش في روايتها هذه كما في اعمال سابقة لها لم تتناول موضوعات هذه المحرمات لاثارة جنسية رخيصة او لانتهاك محظورات دينية او حتى سياسية من اجل اثبات الذات او لفت الانتباه اليها فهي دون شك ليست بحاجة الى ذلك وبعيدة جدا عنه. انها كاتبة هادفة ملتزمة حق الإنسان وكرامته وهي تسلط الضوء على مثالب اجتماعية وأنانيات وأنواع من التحكم الظالم مما يسعى دون حق الى التستر بالدين. وهي في ذلك ربما بدت للقارىء مدافعة عن الاوامر والنواهي الدينية الاصيلة لا منتهكة لها. ومما يتميز به هذا المسح الذي تجريه ليلى الاطرش بالاضافة الى كل ما ذكرناه انه ايضا "مسح داخلي" نفسي يسجل المشاعر والافكار ويرسم الشخصيات. رواية ليلى الاطرش الكاتبة الاردنية الفلسطينية جاءت في 322 صفحة متوسطة القطع وقد نشرتها وزارة الثقافة في العاصمة الاردنية عمان. لوحة الغلاف كانت للفنانة ناتاشا دحدلة. ليلى الاطرش قالت في لقاء في بيروت خلال مارس- آذار وفي بيان بعثت به اليها لاحقا عن الضجة التي اثيرت حول روايتها الفائزة بمنحة "التفرغ الابداعي" لعام 2009 من وزارة الثقافة الاردنية "مما يعني امتلاك الوزارة للملكية الفكرية لهذا النص". وقالت في البيان "لقد تعرضت الرواية لسابقة لم يعرفها الوسط الثقافي الاردني حين اوقف طباعتها مدرس ثانوي اوكلت له الوزارة اخراج جميع كتبها رغم انه موظف حكومي.. فأخرجها بشكل سيء مما اوجب تدخل المؤلفة فالتقط بعض كلمات في صفحاتها فتقدم بشكوى ضد الرواية للوزير متهما النص بالتطاول على الدين والكتابة في السياسة وتناول مسائل جنسية محرمة... "فأوقفت الوزارة طباعتها... ثم طعنت في قرار اللجنة العليا للتفرغ التي اجازتها واتهمتها بانها لم تقرأ النص.. وهي تضم رؤساء جامعات ونقادا كبارا. ثم طلبت من اللجنة اعادة القراءة وتغيير تقريرها فرفضت اللجنة ذلك...". ورفضت ليلى الاطرش تغيير كلمة... وطالبت الوزارة باعادة الملكية الفكرية اليها متهمة اياها بمخالفة شروط العقد مع الكاتبة. والكاتبة هي رئيسة فرع الاردن في "منظمة القلم العالمية". وجرى التوصل الى نهاية "سعيدة" نسبيا اذ" رضخت الوزارة وقررت طباعتها بعد ان اشترطت على اللجنة اقناع المؤلفة بحذف "آية قرآنية كان يتذرع بها احد اشخاص الرواية "السيئين" لكن "مع ابقاء ما يشير اليها...". وحملت الرواية ما يلي: "يتحمل المؤلف كامل المسؤولية القانونية عن محتوى مصنفه ولا يعبر هذا المصنف عن رأي دائرة المكتبة الوطنية او اي جهة حكومية اخرى". تروي ليلى الاطرش قصة عمان ونموها والتغيرات التي طرأت على مجالات الحياة فيها. قصة الناس.. البشر والحجر والشوارع والازقة والمخيمات الفلسطينية. تقدم لنا كل ذلك من خلال عالم حي يتنفس ونراه في حالاته المختلفة. في بدايات له وفي نموه... كل ذلك في سرد وشعرية ممتعين وبنفس نادر متتابع يكاد لا يخبو. وكنموذج لاسلوب ليلى الاطرش واجواء روياتها هذه نقرأ البداية. تبدأ الرواية برسم سريع شديد الوضوح "احيائي" في مجازه وعادي كلامه. انها ترسم حياة. تقول "تتمطى مدينة من حجر.. تتثاءب. يضيء الصباح نوافذ نامت على التباين. تصحو عاصمة يدغدغ الفقر اطرافها. يستدير وجهها غربا فتنتشي بجاه وثروة وخضرة". "تكركر امعاؤها بالتزاحم وتلاطم الاكتاف في بطن جبالها.. اسواق وادراج مسقوفة معتمة وقديمة ومكاتب ومدرج روماني عتيق كالتاريخ ومسجد... تمتزج روائحها... تصحو مدينة الحجر تلفح شمس تموز (يوليو) نعاسها.. رحيمة ثم لاهبة. تنير مخيم الحسين والعبدلي والقلعة وتلة عبدون وحي الياسمين والكمالية والاوتوستراد الى مطارها الدولي". شخصيات عديدة ترسم خيوطها عالم المدينة في قديمه وفي تطوراته الحديثة. حركة "ناس" المدينة تبدأ بسفر. سيارة تقل الشاب غيث المسافر الى الولايات المتحدة لاكمال دراسته العليا للحصول على دكتوراه في علم الجينات. شاب غربي الاحلام والثقافة. يقود السيارة والده "الدكتور" .. الطبيب الشيوعي المحبط. عالم متغير وأقدار ساخرة. ابن المناضل المعروف الذي يتهكم على ماضي ابيه ينتقل للدرس في اميركا ووالده يقله بسيارته الى المطار. شخصيات وشخصيات تشكل صورة هذا العالم. احمد اللاجيء الفلسطيني الذي يحلم وسط فقره بتغيير عالمه الذي لا يتغير فيعيش هو في عالم احلام نهارية. هذا الفتى "تعلم منذ وعى ان عالمه المغلق سفح لاحد جبال عمان السبعة وان العاصمة تكبر وتمتد وتتجمل بعيدا عنه...". تصف الكاتبة التغيرات الكبيرة المتتابعة في عمان المدينة وفي المخيم. الاليات تجرف اقساما منه لتنشيء شوارع وترحيل مئات العائلات. ام احمد التي تتحول الى نوع من "الذاكرة" تحفظ الماضي وأهواله وأحلامه وآلامه. ترسم له التغيير الاهم الذي حدث سنة 1967 في الحجر وفي داخل المخيم الفلسطيني عالم الامل وانتظار العودة والخيبات. تقول له "التغيير الكبير في السبعة وستين بعد الهزيمة! قبل ولادتك بشهرين ثلاثة... في السبعة وستين بدأ التغيير الاول. وصل نازحون من مخيمات الضفة الغربية فأصيب الناس بالذهول والصدمة.. قبلها كنا عايشين ننتظر ان نعود وقابلين بالبهدلة. لا كهرباء ولا طرق معبدة.. نغطس في وحل الشتاء دون ان يهتم احد منا فالمخيم موقت وسنرجع الى البلاد! ولكن يوم وقعت النكسة وضاع الجزء الباقي من فلسطين عرف الناس ان المسألة مطولة.. والعرب بدلا من ان يحرروا بلادنا ويرجعونا ضيعوا اجزاء من بلادهم.. فدخلت الكهرباء الى المخيم اول مرة...". وتروي له عن احداث سبتمبر ايلول في "السبعين".. الاقتتال الرهيب "وبعد السبعين هج الشباب مع الثورة..." وتروي له عن ذلك وقبله. وتصف له التغير الذي جرى فتقول "صار كل واحد من الناس اللهم نفسي ومن يلومهم. رفعونا للسماء ثم خبطونا بالارض... وعرفنا ان الرجوع للبلاد اكبر من الحلم واصعب من حياتنا... وكل من استطاع السكن خارج المخيم طلع.. قالوا ننتظر حل القضية في ظروف احسن!". الامكنة في الرواية متعددة تعدد شخصياتها وأنماطها.. فمن فلسطين الى الاردن وبلدان عربية اخرى.. الهجرات الى الكويت وبلدان الخليج طلبا للعمل ومنها ايضا "ايوا" في اميركا حيث يدرس غيث. تنقلنا الكاتبة الى امريكا الحاضر والتاريخ والثقافة والعمل والسكان الاصليون وتاريخهم المعذب. في كتابة ليلى الاطرش السابقة ما يصح الاشارة اليه الان ومن ذلك انه فضلا عن القدرة على السرد المؤثر والشعري عندها فهناك "قوة" اضافية لديها كما في عملها الاخير كذلك وهي ان كتابتها ربما شكلت وسيلة من الوسائل الفضلى للتعليم والتثقيف بسهولة نتيجة المتعة الفنية المرافقة لذلك. وعلى الرغم من ان رواية ليلى الحالية اكثر نموا وتطورا واتساعا وشمولا من اعمال سابقة لها ففي الرواية كثير من السمات المميزة التي برزت في اعمال سابقة لها. كتابة ليلى الاطرش تتميز بندرة منها انها تقدم المعلومات التاريخية والجغرافية الطبيعية والسياسية في شكل يكاد كثير من الاعمال الادبية القصصية وحتى الشعرية لا يوفق في ان يتجسد بما يشبهه فنيا من حيث الدفء الشعوري والصور العميقة الايحاء التي تقتحم النفس بجمال وبايقاع موسيقي راق وفي الوقت نفسه بقدرة على الا يؤدي كل ذلك الى اي اغفال للحقائق او اي تلاعب بها. انه عمل يحفل بالمتعة وان كانت في الغالب متعة تنبع من احوال شتى من الاسى والآلام. آلام "معتقة" عبر تاريخ طويل من العذاب.
المتوكل طه يقدم سيرة توثيقية لذاكرة المكان بأسلوب أدبي، شعري أقرب إلى الرواية المحكية.
بقلم: سامح عودة
مفرداتُ التراب الساحر، ورحيق أزهار الربيع، رائحةُ خبز الفلاحات، وصندوقٌ من ذكريات الطفولة، ومسيرة أجيالٍ ذهبت، تعاقبت وراءها أجيال، سيرة شلال الدم النازف، شهداء كانوا بالأمس القريب هنا، ورحلوا. أسرى لا يزال منهم مغيبٌ خلف الأشواك، وجرحى نزفوا فجبلَ الطين بدمهم، منهم من مضى، ومنهم لا يزال جسده خريطةً تعيد حبالَ الذاكرة إلى مربعها الأول كلما أمعنتَ النظر تحت ثيابهم، وجدائلُ الفتيات، وسيرة الجدات، وأشياء كأنها الخيال، سحرُ يافا، وموالُ العاشقِ الولهان.
احترتُ بين المفردات، وعدتُ مرات ومرات، سطرٌ فسطر، وكلمة فكلمة. وبين الكلمة وأختها، حكايا، لم تحكَ بعد!
هناكَ اختصارات ربما لم تسمح بضعُ صفحات من استيعابها، لأن إنسانية الإنسان هنا، تعجزُ كل لغات الأرض عن وصفها، ولو مزجت البحرَ حبراً ما وَثَقَتَ سطراً، مشهدٌ غريبُ، فيه من الغزل الكثير، وفيه من الألم ما لا يعدُ ولا يحصى، وبين الشقين سحرَ مشهدٍ من أطياف عبرت الذهنَ، فأسكرتنا جمالياتها، شريطٌ تتمايلُ على جوانبه ذكريات المكان. يرسمُ بالحروف خريطةً لا تملُ السير مع خطوطها.
هذا غيضٌ من فيض، وقطراتٌ من مطر، وعطرٌ نفاث، تلمسُ الشغاف وتسري إلى أعماقك، هذه هي الصورة بجمالياتها، عندما تمسكُ بكتاب "عرش الليمون".
"عرش الليمون" من إبداعات الشاعرِ، والأديبِ، والإعلامي الفلسطيني المتوكل طه، - ابن مدينة قلقيلية- كتابٌ أدبي، توثيقي، شعري، جامعٌ فنون اللغة، يحاولُ توثيقَ جزءٍ من ذاكرة المكان "قلقيلية" المدينةُ الفلسطينية، المأسورة، التي تقعُ على سهلٍ يرتفعُ عن الساحلِ قليلاً، كأنها حكمةُ رب الأنام في أن تظلَ عيون قلقيلية مفتوحة نحو الساحلِ تناجي الساحل الأسير، قلقيلية التي ذاقت عذابات الأرذلين، وتجلى الجلاد في قتلها، فطوقَ معصميها، بسورٍ لعين! جدار الضم والتوسعِ العنصري يحيطُ بالمدينة من الجهات الأربع، ولم تقف البشاعةُ عندَ هذا الحد! فقد استباحوا تلالها "فسرطنَ" جسدها بداءٍ لعين اسمه استيطان، عشرات المستوطنات جاثمةً على صدرها.
"عرش الليمون" يحكي عن عذابات ليمون قلقيلية وبرتقالها، (قلقيلية نُعاس الوردةِ وبولادها الجسد الشرس الشهيد، طيرها أليف مجنح يعود ولا يقع في غواية الشِباك ومرايا السقوط السراب، وحضنهاٌ صاهلٌ وفي معمور بالأنهار والمواقد. وقلقيلية اسم للكمال والمحبة والشوق الأكيد).
"عرش الليمون" جزء من أدب المتوكل طه، صدر عن دار الماجد للنشر والتوزيع في العام 2004، تبلغُ عدد صفحاته مئتي صفحة من القطع المتوسط إذا ما أضيف إليها الغلاف وقائمة المحتويات، وهو متنوع بين الأدب، والشعر، والسياسة، مقسمٌ إلى محطات وسأسمح لنفسي نيابةً عن الكاتب بتقسمها إلى أجزاء وهي:
الجزء الأول: توطئة .. قلقيلية الكتاب.
الجزء الثاني: الاجتياح والحصار.
الجزء الثالث: جدار فصل عنصري.
الجزء الرابع: نجوم البلد ويضم (دمعة الشهيد، شو يعني مات، أعراس قلقيلية المختلفة، عنقُ النار، لحية أبو اسماعين، كل شيء لهم، سر سعادة مسعودة).
الجزء الخامس: ملح يافا حلو.
الجزء السادس: في الإيقاع ويضم (حالات الشاعر، إعراب إجباري، بنت البنات، صورة حمدان، الدم على النصل، ملهاة البلد، حارس المقبرة، المنسوف، الأرض، قلقيلية تلبسُ ثوبها، صور ليلية، تقى، هزار، أبي يا أبي، امرأتان، الجدار، آخر موت لرجل من عامة الناس، إضراب عن الطعام).
"عرش الليمون" سيرة توثيقية لذاكرة مكان بأسلوب أدبي، شعري، أقرب إلى الرواية المحكية، فهو يوثق عبر صفحاته المئتين ما قيل، وما لم يقل، ما تناوله العامة، وما يدور في أذهانهم، وللحق فإن انسياب اللغة، وتمكن الكاتب من الكتابة بأكثر من لون أدبي يسرق القارئ من بين السطور إلى عوالم غاية في الجمال، فتراه كالمبحر إلى ميناء بعيد، لأن جمال اللغة ورصانتها يجبرك على أن توجه الشراع نحو النهاية، فلا أعجب أن عاد القارئ للكتاب مرة ومرة، مرة بدافع الفضول، ومرة باتجاه استكشاف المجهول، ومرة منسجماً مع نغم يأسر العقول قبل القلوب، هذا باختصار حول اللغة وهيكلها العام.
أما عن أقسام الكتاب فتجدُ "عرش الليمون" يحاول توثيق أهم المحطات التاريخية التي مرت على المدينة منذ ما قبل النكبة الأولى قبل العام 1948، وهذا يظهر في جزء "ملح يافا حلو" في هذا الجزء بالذات استطاع الكاتب أن يربط الماضي بالحاضر من النكبة الأولى وحتى العام 2004 انتفاضة الأقصى، وما مر على الشعب الفلسطيني من عذابات ووقع فلسطين كاملة تحت الاحتلال.
في هذا الجزء من الكتاب استطاع الكاتب أيضا أن يوظف لغته الأدبية توظيفاً رائعاً حينما استعرض طفولته منذ أن أبصرت عيناه النور في حضن أمه، فروى ذكرياتها منذ شبابها إلى أن توفاها الله، فعانت وهي ميتة كما عانت وأنفها يشم الحياة، وهذه النقطة بالذات تحسبُ للكاتب ولا تحسب عليه حينما ربط الخاص بالعام، لأن الخاص أيضا هو جزء أصيل من العام ولا يمكن إغفاله:
"في المساء ومن بين المعزين الذين امتلأ بهم الديوان والممرات، أطالَ الرجل الوقوف معزياً مع أشقائي – الذين يكبرونني كلهم – ولما وصل إلي شد على يدي، وقال لي حرفياً: عليكَ أن تكتبَ لكل العالم كيف أهانوا أمك وهي ميتة، وطفقت من عينه دمعة عزيزة، واتخذ مجلسه بين الناس".
كما يتناول الكتاب تعريفاً بمدينة "قلقيلية" المدينة الفلسطينية، مسرح الكتاب، موقعها، تاريخها من عهد الرومان، وما قاله المؤرخون عنها، ويوثق في هذا الجزء المعارك لحظة النكبة، وفي الفترة الممتدة بعد ذلك وصولاً إلى وقعها تحت الاحتلال في العام 1967، وهذا الجزء كان ضرورياً لينقل القارئ من عوالم مبهمة إلى عوالم الوضوح، كي يقدم إلى ما سيأتي في الكتاب من أجزاء لاحقاً.
وفي "عرش الليمون" فنون أدبية وشعرية مختلفة ففي الجزء نجوم البلد "عن الشهداء والأشاوس" ويضم: (دمعة الشهيد، شو يعني مات، أعراس قلقيلية المختلفة، عنق النار، لحية أبو اسماعين، كل شي لهم، سر سعادة مسعودة).
يميل الكاتب إلى استخدام أسلوب القصة القصيرة الهادفة، المستوحاة من الواقع، لتوصيل حكمة لمن يمر على الكتاب. وفي كل قصة من هذه القصة رسالة تتناسب وبناء القصة الذي كتبت من أجله.
وفي القسم في الإيقاع وهو النصف الأخير من الكتاب تطغى اللغة الشعرية على الكتاب، فاستخدم الكاتبُ حنكته الشعرية فكتب في هذا الباب عدة قصائد: (حالات الشاعر، إعراب إجباري، بنت البنات، صورة حمدان، الدم على النصل، ملهاة البلد، المنسوف، الأرض، قلقيلية تلبس ثوبها، صور ليلة، تقى، هزار، أبي يا أبي، امرأتان، الجدار آخر موت لرجل من عامة الناس، إضراب عن الطعام).
وفي الباب نفسه استطاع الكاتب أن يبرز مهاراته في البوح "النثر" فكتب (الفلسطيني ابن البلد، حارس المقبرة)، وقد ظهرت براعته وتفوقه في استخدام مفردات راقية وظفها مع هدف كل قطعة، والنثر هنا لا يقل شأناً عن الشعر، بل قد يكون أبلغ.
وفي الكتاب شيء من الكتابة أشبه بالمقالة كما يظهر في (شهادة عن دهم البلدة وإعادة احتلالها "الاجتياح والحصار"، جدار الفصل العنصري)، وبدا واضحاً أنه في الجزء الخامس الذي جاء متواصلاً بدون أقسام، استخدم جميع ألوان الكتابة "شعر، نثر، قصة، مقالة" كالعازف على أكثر من وتر.
في "عرش الليمون" مشاهد متعددة، وانحناءات حروف شامخة، ولكي لا نغرقَ بين السطور أكثر فإن هناك أشياء ربما لا يتسعُ المكان لذكرها، ولكن وبرغم جماليات هذه الألوان الأدبية، وبرغم ما حملته من معانٍ سامية، فهناكَ أشياء كان ينبغي على المؤلف الاهتمام بها أو أن يدقق بها أكثر، فالعنوان "عرش الليمون" عنوان جميل، لكنني أتساءل كقارئ عادي استوقفته بعض الجماليات في متن الكتاب، يقول المؤلف: "ربما عرفتُ إصرار والدي – يرحمهما الله – على زرع بيارة برتقال في أرضنا شرق قلقيلية، بعد النكبة. كأنهما يريدان أن تحمل قلقيلية عن يافا بياراتها وأرضها الممروعة العطرة التي أخذها اليهود". وبما أن الحديث عن يافا وقلقيلية، وجدت المؤلف قد نوه للبرتقال في أكثر من مكان، فلماذا؟ لم يسمِّ الكتاب "عرش البرتقال" مثلاً؟ وهو تساؤل ليس إلا!
كما أن أجزاء الكتاب مترابطة من حيث التسلسل في الأحداث، وفي المضمون، وللحقيقة فإنها تثير شغف القارئ، واهتمامه، لكنني وجدتُ فيها موضوعاً مختلفاً عن المضامين الأخرى "ملهاة البلد" أقرب إلى نمط الرواية المصرية، وهنا ينبغي التوضيح أكثر هي جميلة من حيث إيقاعها ولغتها، لكنني أراها لا تنسجمُ مع باقي العناوين، فلماذا وضعها في الكتاب؟ رغم علمي أن مادة الكتاب كتبت خلال فترات، وقد يكون موضوعها مرتبطاً بقلقيلية البلد!
في منتصف الصفحة العاشرة وحتى نهاية الصفحة الحادية عشرة ذكر المؤلف معلومات حول قلقيلية، من التسمية، مروراً بقلقيلية حتى خلال العصور، كنت أتمنى لو أن المؤلف في هذه المساحة الصغيرة من الكتاب لو أسندها، ووثقها لواحد أو اثنين من المراجع المعروفة.
الكتاب تناول ذاكرة المكان حتى الانتهاء من طباعته في العام 2004، وعرج على تفاصيل الحياة اليومية، وما تعاقبَ على المدينة من أحداث، ولكنه مر على صدور الكتاب خمس سنوات، كانت مليئة بالأحداث فغيرت وجه المدينة الجميل، فلماذا لم يبادر الكاتب برغم معرفتي المسبقة بأنه يستطيع توثيق ما حل بالمدينة من أحداث، إلى إضافة سلسلة أخرى لعرش الليمون؟ أم أنه أصدر شيئاً لكنها لم تصل إلى متناول الجميع.
"عرش الليمون"، محاولة رائعة لتوثيق ذاكرة المكان بأسلوب أدبي، وهو بمثابة خطوة أولى في درب طويل، حاول وبكل براعة أن يغوص في أعماق بحر لجي القاع باحثاً عن الدرر في القاع، واستطاع بأسلوبه الأدبي الشيق، أن يوظف لغته، وشعريته في الكتابة عن جزء من الوطن، لقد أضاف المؤلف إنتاجا أدبيا، ثقافياً، توثيقياً، للمكتبة العربية، وهو مرجع لمدينة معذبةٍ لم تلق نصيبها في تسليط الأضواء عليها.
إن هذا الوطن المثقل بالجراح، الزاخر بكنوز الجمال يستحق الرعاية والاهتمام من قبل كتابنا ومثقفينا، ولذلك عليهم أن يسلطوا، أقلامهم نحو ذواكر الأمكنة، كي لا ننسى!
سامح عودة - فلسطين
زوار الغمري
وإن كانت شعله المسرح الجاد، مسرح الفكر، مسرح القضية كادت أن تخبو فإن عاطف الغمري توصل إلي تقديم هذا التشكيل، وهذا الشكل المسرحي محافظا علي الحوار الذكي، واختيار الشخوص، وصياغة المواقف الإنسانية، وقد لا يحتاج القارئ إلي معاناة خاصة في فك طلاسم النص وشفراته.