إهداء .. إلى ما ما ..بقلم ماجدة سيدهم



الولوج إلى الداخل محفوف بمرتفعات من اليقظة الناضجة - لذا عادة ما تتلمس يدي بحذر جدر الترقب .. اخشي السقوط فجأة إلى منزلق المواجهة ، الزحام لص برئ وصوت العتمة ينزف حبيبات رنين لذا أستحلب أيام افتقادي ويشتد إليكِ جوعي.. اعتدت تنسيق الأشياء دونما تفكير..ألتصق بالحوض .. أتابع حركة أصابعي وأنظف قماطة صغيري..فتبدو الذاكرة ناصعة الرؤية ..الماء الساخن جيد للغرض هذا والأسف أحيانا ..تلك القماطة تسرد لنا تفاصيل لا نقوي علي احتمالها.. لها تفاصيل شرسة ..لا أبالي ..أو هكذا أتوهم.. بينما تدفعني رغما إلى داخلي الكثيف.. ينزلق الملح الساخن من عيني متصاعدا ،اغلب الظن ستكون القماطة أكثر تعقيما .. يا الهي اغفر لي هذا الالتواء الطاعن في وريدي ..إذا سأختبئ في غبار التفاصيل اليومية.. متكأ الهرب البارد كيلا أتهاوى فوق مرآة أمي ..أنزوي بعيدا عن صوتي ..وعن غفرانها المتلاحق ..يشك حلقي توسل خفي في سلامها وحضنها ألا تغادر طفولتي صدرها واختلاسي حذائها المريح ..الذاكرة لعنة بلا جدران .. لا تبرح تفاصيلها المواسم المتكررة (مارس )–إذا سأفعلها هوايتى النزقة .. لعبة الاختباء –تشغيل الغسالة الاوتوماتيك ..تبديل الأسرة وترتيب خزانة الملابس ، تلميع الأثاث والثريات والأرضيات - فرز المجمد ..استلام الملابس بعد كيها - تحضير الغذاء ..الوجبات الجاهزة - إعداد الطاولة وطيها .. إعادة المكنسة الكهربائية لمكانها والأطباق إلى مخادعها – متابعة الأحداث المد بلجة وأيضا حميتي الغذائية -تطعيم الصغير وشراء مالا احتاجه ..الاطلاع على مراسلات أصدقاء الفيس بوك –ليس من متسع مرن لصحبة الرفيقات والملل أيضا -الأعباء كثيرة وثقيلة لكن شكرا للمصادفة أو بالحري دعاء أمي - فمواعيد العمل ليست قاسية لكنه الزحام يعيق مكانا لسيارتي- اترك صغيري لديها وغالبا ما أعود أيضا بوجبة غذاء شهية ، تتقن بهاراتها من اجلي – لا وقت يا أمي لدى لا وقت – سأهاتفك مساء اليوم - المناسبات الاجتماعية واجب لا ينبغي التقصير فيه لذا يستلزم الأمر المرور على المحلات وانتقاء المناسب - أنت تتفهمين بكل تأكيد ..لا وقت يا أمي لا وقت - خادمة المنزل لا تغادر قبل الخامسة - يومان من كل أسبوع - لا تحب أن أتعدى على إتقانها و تجيد انتقاء لوازم الأسبوع ،إذا فعل الانهماك ليس دائما فعلي .. الماء ساخن و المسحوق زلق .. تعثرت أصابعي في تورمها ..قليلا ما افعل ذلك ..الحفاضات الورقية أكثر تعاطيا .. بحذر أتلصص الأعمق أتشبث بثقوب عالقة في الهواء..سقطتُ من مرتفع الانتباه وما تهشمت مرآة أمي، ترقق العجين لتطعم جوعنا بخبز طيبتها ..توقظ كل صباح ثرثرة الخبث اللطيف برائحة الحليب الطازج ولأحلامنا المتكررة تنصت وتفسر عفويتها بلا ضجر - بالترتيب تجدل ضفائرنا الستة و توزع قروشنا الستة – توصينا باشتباك أيدينا والعبور بتأن وأيضا إجاباتنا .. وتـُلصق على الجدار ذكريات لعبنا وبالطبشور تقيس قاماتنا وحروفنا الأولي .. البنات لا يرفعن أصواتهن- ولا يكلمن غرباء في الطريق ..يخفين عن أبيهن واخيهن الوحيد فوطهن الصحية ..نعود مدارسنا ونركض درج رائحة الطعام الشهية – تـُحيكُ بمهارة ملابس العيد – تـقطف من ربيع المواسم وتزرع بثيابنا وردات لا تشيخ - وأيضا كيكات العيد أغنية الجارات اللذيذة - تنسجُ قزح خيوطها بلوحات الكنافاة و تصنع بملاءات أَسـِراتنا قيامة ملونة و إصرار تـفوقنا المرة القادمة – تمارضتُ خبثا كي أرى ما تفعله بعد توديعنا – تـُقبلني في فراشها الذي لم نكن ننعم به الاّ في مرضنا - تحسدني الباقيات : يا بختك ها تنامي في سرير ماما - يتكورن جواري ليس اطمئنانا بل ليحظين بالقليل من دفئه ،رائحة أمي مميزة لا تبرح وسادتها وحقيبة يدها - ارقبها بعينين شبه مغمضتين كي لا يفتضح أمري- برنامج ربات البيوت يؤنس يومها المكتظ بالانحناء والقناعة - ..تلهث أشعة الشمس مرحا في إرجاء البيت بينما تتثاءب أغطيتنا على الشرفات المشمسة - ثرثرة الغسالة العادية يثير فيّ الشعور بالإجهاد والمرارة – لا تسمعني حين تلاحقها نبضات عيني هل أنت تعبة -؟ رائحة الغذاء تنمو من مطبخها المعتق بتوابل خبرتها ..عند بعض الجارات طاهي أسرع" البوتاجاز" لكن أمي حاذقة تجيد صنع أطيب الروائح على احتراق انتظارها ..وتهدئ من حرارة الشمس بماء ملابسنا المغسولة ..لا تنسى موعدها الأسبوعي لتتابع درجات البنات في مدارسهن- الوقت يمر..تـُدخل صوت الراديو إلى حلقة الغد - كل شيء إلى مكانه يخضع لتنسيقها .. تبدو بلا كلل أو شكوى .. يطمئنني هذا جدا - لكني أدركت الآن كيف نعود من المدرسة وكل شيء يفشي بأسرار بذلها و طيـِب انتظارها يفوح من شرفة لبلابها بينما تـُنصتُ من جديد لحكاوي غـدٍ آخر يمتد ، في الأخير تسرد تعاليمها وقصصها الجذابة تؤكد لنا - مريم العذراء أم حنون بينما تمسد بيديها هدوء ليلنا الأبيض ..مازالت على مسامعنا تتلو قرط دربها : انتبهن لبيوتكن، تدبرن بحكمة عيشكن، أبوابكن مشرعة للغرباء ،زيتكن وملحكن للجوعى والبسطاء ..غادرنا غرفتنا بأكاليل افتقادها ..ومازالت كل نهار تزيل الوحشة عن أغطية أحلامنا - ترقب ُعبر متسع الطرق سرابَ تجمعنا وضجة الصغار ..الطعام كما الأمس مازال ساخنا .. القروش تضاعفت فى ايدى أحفادها ..والماءُ الساخن قد يزيل آثار جدب النسيج ولا يفلح مع بقع المسافة - التهب سرد عيني- ورمال الذاكرة تخصبت بصبارات الحنين ..كيفك يا أمي وكيف أجدت الكل ولا ثمة شيء بين يديك حتى الماء الساخن - بينما لديك كل الوقت لتبتسمين – تباعدت السنتيمترات ولم ينقطع حبلك السري - اسكب إثمي على كف المغفرة - يوم لهو صبانا ما ظننت غير انك كائن غيرنا لا يتعب لا ينعس ولا ينام ، وخشيت مرة أسألك بماذا كنت تحلمين وتبتغين ولمن كنت تبوحين ..؟ - الآن فقط عرفت سر ألمك الصامت ونزفك الممنوع - ورفضك لهدايا مارس البسيطة.. أيقنت بعد أيام كثيرة كم كنتِ تشتهين حضن من فارقت غـُربتكِ ولونت في اليوم ذاته عزلتك بالافتقاد ..أمك .. وكأنه مسطور أنك للآخرين تعطين .. تشجعين ..تبتسمين وأنت لا تضحكين- تـُرى هل كان كل هذا سر صلابتك و حبك الكبير ..!


ماما احبك


وكل يوم وأنت معنا


ماما نسيت أن أسالك متى كنت تغفلين ..؟


إمضاء


ابنتك ( أم رقمية )