يمثل الشاعر علي الدميني مع سعد الحميدين، ومحمد الثبيتي، وعبدالله الصيخان، ومحمد جبر الحربي، موجة الشعر الحديث في المملكة العربية السعودية، فقد تمردوا على كسر عمود الشعر ليكتبوا قصيدة متحررة من قيد القافية فيما تسمى بقصيدة التفعيلة. وأجادوا هؤلاء الشعراء في اقتناص الشاعرية في أجمل لحظاتها عبر هذه الكتابة الجيدة – على المملكة – متحدين أنفسهم وواقعهم الإبداعي. ولأن تجربتي "الدميني" و"الحميدين" تتشابهان في اتكائها على الموروث الشعبي بأساطيره ومواويله وأمثاله وأغانيه، واستفادتها من الواقع المعيش – الذي يحيا فيه الشاعران بمفرداته الحياتية واليومية – لينطلقا منها إلى عوالم أخرى أكثر انفتاحا وشاعرية، وتوظيف هذا اليومي والحياتي لخلق عالم شعري – حقيقة – خاص ومتفرد. ديوان "رياح المواقع" الصادر عام 1987 هو المنجز الشعري الأول للشاعر علي الدميني الذي اتبعه بديوان "بياض الأزمنة" 1995 وديوان "بأجنحتها تدق أجراس النافذة" 2000 ليعلن "رياح المواقع" عن شاعرية تبحث من البداية عن خصوصية مستفيدة مما يدور حولها متكئة على موروث شعبي ضخم، ومفردات حياتية ثرية وشاسعة، باتساع صحراء الجزيرة العربية الطاغية الحضور بمفرداتها ودلالاتها المتعددة في نصه الشعري. 1- المراوحة بين العمودي والتفعيلي أول ما لفت نظري وآثار انتباهي في تجربة "الدميني" الشعرية، هو التزاوج بين قصائد الديوان الأصل "رياح المواقع" والقصائد التي تحمل عنوان: "أناشيد على باب السيدة العظيمة" وأهداها "الدميني" إلى: "عبدالعزيز مشرى .. في ذكرى الوردة والسيف"، وأرى أن هذا الديوان ضم ملامح تجربتين شعريتين، وكان يستطيع أن يفرد لكل تجربة منهما ديوانا قائما بذاته، ولكنه فضل أن يضمهما معاً ديوان واحد لتقارب التجربتين وامتازجهما، وهذه مقدرة تحسب للشاعر. كما تتجلى موهبة "الدميني" الشعرية أيضا في المراوحة بين العمودي والتفعيلي، واقتناص اللحظة الشعرية الحقيقية في كلا الشكلين، بل يقتبس من الشعر الشعبي ويوظفه لخدمة مضمون قصيدته، بل يوظف أيضا بعض الألفاظ العامية داخل نسيج القصيدة الفصحى بشكل جيد وجرئ كنوع من التجريب، والملفت أنك لا تشعر بغرابة في هذا الاستخدام بل هو منسجم تماماً مع روح القصيدة وموظفاً بدقة وليس غريباً عنها. وتتبدى المراوحة عنده بين العمودي والتفعيلي في قصائد كثيرة داخل الديوان، كما جاء في استهلال قصيدة "الخبث" حيث استخدم أربعة أبيات عمودية، وأكمل القصيدة بعد ذلك تفعيلية، أما في قصيدة: "إشارات ليلية" فكلها تفعيلية ولكنه اختتمها ببيتين عموديين، فيقول: لعلى إذا غنت على الباب عبلةٌ ** أجالسها في آخر العمر في السر وأقطعها سُحب الهوى في مدينتي ** قرابين من صمت الزمان ومن جهري هذه المراوحة تدل على مقدرة الشاعر على امتلاك أوزانه الشعرية جيداً وتطويعها لخدمة قصيدته. 2 - حضور المورث الشعبي "إن الموروث الشعبي في الشعر يكاد أن ينحصر في القصيدة الحديثة، أي أنه ظاهرة حداثية ترافقت مع ظهور ما عرف بالشعر الحر في بلادنا، ولهذا أسبابه الشكلية والمضمونية، فمن حيث الشكل أدى انكسار العمود الشعري، أو التراتب البيتي في القصيدة الحديثة إلى إيجاد شكل بانورامي متعدد الأوجه وذي مسحة مكانية وإيقاعية تجعل عناصره متزامنة كعناصر اللوحة التشكيلية، الأمر الذي سمح أكثر من ذي قبل بدخول عناصر مختلفة كالتضمينات والإشارات الأسطورية وغيرها." (كتاب مهرجان الشعر العربي – هيئة قصور الثقافة ص 10، 11). ففي قصيدة "الخبث" نجد البعير وقد ابتعد عن مطار المدينة، ابتعد عن احتمالات الانعتاق من أضوائها الباهرة، وإنه الآن في الشارع الخلفي من ذلك المكان الذي يكاد أن يلتقي فيه الانتماء إلى الموروث البسيط: في الشارع الخلفي واجهت البعير يشم "عرفجة" تيبس طلعها ويدور في الطرقات ملتهماً بقايا الناس، والأطفال
ديوان 'رياح المواقع' يضم تجربتين شعريتين وكان باستطاعة الشاعر أن يفرد لكل تجربة منهما ديوانا قائما بذاته
كتب ـ عبده الزراع