بُعد وطني في ثياب عمل فني



'فتاة الحلوى' تفضح الواقع بعد عودة عالم نووي من العراق


رواية محمد توفيق تدخل بنا إلى عوالم صادمة ومرعبة شديدة الغني والتنوع من خلال بداية إنسانية لعالم مصري.


كتب ـ مصطفى عبدالله

"فتاة الحلوى" رواية جديدة للكاتب محمد توفيق، صدرت حديثًا عن الدَّار المصـرية اللبنانية في 264 صفحة من القطع المتوسط. وهي رواية ذات طابع ملحمي، تدخل بنا إلى عوالم صادمة ومرعبة، شديدة الغنى والتنوّع؛ حيث تبدأ الرواية من لحظة إنسانية صغيرة لعالِم مصري كان يعمل في المفاعل النووي العراقي، وتصبح حياته مهددة بعد سقوط بغداد، عندما تتبعه وتطارده مخابرات أكثر من دولة للحصول على الأسرار التي لديه. ومن هذه اللحظة البسيطة، وهي لحظة استقراره في بلده، تتشعب الرواية لترصد العديد من المتغيرات التي جرت في العالم ومن ثم الوطن العربي، وعلى نطاق أضيق المجتمع المصري، الذي يحاول العالم المصري الاختباء بين شعبه.

وفي محاولة الاختفاء والتخفي التي يسلكها البطل "المخِّيخ" تدخل الرواية إلى وقائع اغتيال العلماء العرب من قِبَل الغرب، والهيمنة الإسرائيلية، ومحاولة أميركا إضعاف الدول العربية حتى لا تخصم قوة أي دولة فيها من قوة إسرائيل، نزولا إلى الواقع المصري الذي يعج بالفساد من شيوخ الفضائيات، والخونة وبائعي الأوطان، وفتيات الليل، وبنات الشات، وزواج المتعة، والقرآنيين .. إلخ ما تحفل به رحلة الراوي في محاولة تخفيه.

تكتسب الرواية ووقائعها مصداقية شديدة من خلال خبرة كاتبها الذي قضى سنوات عمره في السفر ومعايشة الغرب من خلال إقامته في سويسرا، وأستراليا، واشتراكه في العديد من المحافل الأدبية الدولية، وعضوية الاتحادات العالمية، فهو أحد أهم الكتاب العرب في الخارج، وصدرت له العديد من الأعمال الأدبية مثل: "ليلة في حياة عبد التواب توتو" التى تتناول جيل السبعينيات في مصر ومظاهرات الطلبة والإرهاب، و"طفل شقي اسمه عنتر"، بالإضافة إلى مجموعتين قصصيتين هما: "الفراشات البيضاء"، و"عجميست" مجموعة قصصية باللغة الإنجليزية.

كذلك فإن الكاتب محمد توفيق أحد المساهمين بمقالاته وآرائه وتحليلاته في الصحف والدوريات العربية والمصرية، وعضو اتحاد كتاب مصر، ومجموعة كتاب جنيف، ونادي القلم الدولي، والمستشار الأدبي لمنتدى الكتاب العربي، وعضو اللجنة المنظمة للمؤتمر العالمي للكتاب الذي يعقد في جنيف مرة كل عامين.

لكل هذه الخبرات تأتي كتابة محمد توفيق معبرة عن واقعها بفهم شديد؛ فهي تنطلق من محفزين مهمين الأول، شخصي: يتعلق بقدرات الكاتب مبدعًا وفنانًا يمتليء بالخبرات الحياتية والمعرفية، ويستطيع التعبير عن تلك الخبرات بلغة أدبية راقية، والثاني مجتمعي يرتبط بمجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وظهر ذلك بشكل واضح في روايته "طفل شقي اسمه عنتر" مثلا، التي ترصد التطوّرات التي طرأت على المجتمع المصرى بحلول نهاية القرن العشرين، وتأتي الرواية الجديدة لتكمل تلك الحلقة الممتدة محليا وعالميا، حتى أن محمد توفيق يستعير شخصية "المخيخ" من إحدى رواياته السابقة ليكون بطل روايته الجديدة.

يقول الكاتب: "أعتبر شخصياتي أشخاصًا من لحم ودم ولا أتعامل معهم كرموز أو كمعانٍ، وإن كنت أحرص على أن اختار لكل شخصية الاسم الذي يناسبها، وكل من هذه الشخصيات يواجه مأزقه بطريقته الخاصة".

أغلب شخصيات المؤلف لها بُعد وطني دائم التفاعل مع القضايا الوطنية والقومية؛ حيث يرى المؤلف أن الغرض الرئيسي للأدب هو خلق عمل فني بحت بعيد كل البعد عن التلقين أو الموعظة أو الرسالة الأيديولوجية المباشرة، وإنما تصل الرسالة عبر الاستمتاع الجمالي بالعمل الفني، فالأديب لا يستطيع أن يعزل نفسه عن قضايا مجتمعه، حيث الصدق مع النفس شرط حاكم للإتقان الفني، وبالمقابل فالصدق الفني شرط حاكم لتقبل القارئ للرسالة الاجتماعية التي يحملها العمل الأدبي؛ لذلك يجمع عمل محمد توفيق دائمًا بين البعدين الجمالي الفني ومعالجة واقعه دون أن يأتي أحدهما على حساب الآخر، في صيغة فنية بالغة الثراء والدلالة، في واقع امتلأ بالروايات التي تعتمد على السيرة الذاتية وتفتقد إلى العمود الفقري والبناء المحكم.

مصطفى عبدالله ـ القاهرة