28


النساء يشبهن ما تبقى

خالد البري يؤكد موهبته السردية بـ 'رقصة شرقية'


'الدنيا أجمل من الجنة' يسبب مشكلة لصاحبه فيلجأ إلى كتابة رواية 'رقصة شرقية' فيتوقف النقاد عندها.


كتب ـ محمد الحمامصي

"متى اخترع الإنسان صيغة السؤال؟ وكيف رسم علامة الاستفهام؟ مستديرة في قمتها ومنقوطة في القاع، كعجوز محنية الظهر تخفي مفتاحًا تحت قدميها، علامة الاستفهام امرأة بالتأكيد، انسيابيتها لا تشبه أجسام الرجال المخلوقة على هيئة الأرقام الإنجليزية الحادة – وان، سيفين وفور، النساء يشبهن ما تبقى :تو امرأة تتوب، سيكس وناين امرأة تتقلب على سرير القلق، فايف امرأة حبلى تنظر إلى المستقبل بترقب، وثرِي امرأة تستثمر فقط في أنوثة تتآكل، لكن إيت هي المرأة كاملة الأنوثة – انسيابية وملفوفة ومراوغة ومرنة، دون أذى، ولا سوء طوية .

والمرأة من ثم تشبه – حين تكون ممددة كما كاتيا الآن على سريرها – علامة اللانهائي، التي لا يستطيع أحد أن يسبر حدودها .وهكذا هي .حياتها دائرة كبيرة فيها دوائر صغيرة، ربما فقاعات صابون، أو حتى كلبشات، كما قال زوجها السابق، والحمد لله أنها اليوم ستنتقل من هنا، مرة أخرى إلى حياة جديدة، سترمي فيها – كالعادة – القديم وراء ظهرها، كما ترمي الشمس ظلام الليل بكل ما غطى وما كشف، حتى في يوم غائم كذاك، بدا في بدايته أن الحياة توقفت".

هذا المقطع من رواية "رقصة شرقية" للكاتب خالد البري، عقد لها الصالون الثقافي لدار العين للنشر ندوة مؤخرا، أدارها محمد شعير، وناقشها كل من الناقد د. محمد بدوي، والشاعر والصحافي وائل عبدالفتاح.

الكاتب الصحفي محمد شعير رأى أن صاحب الرواية هو "سيد قطب" الصغير، فسيد قطب بدأ شاعرا وناقد أدبيا وانتهى به الأمر "منظرا للجماعة الإسلامية" وما يشابهها، وعلى النقيض منه بدأ خالد عضوا في الجماعات الإسلامية وتحول إلى روائي، حيث وجد في كتابة الرواية الكلمة التي تفجر المعنى.

قال محمد شعير عن بداية معرفته بخالد البري، أنه في عام 2001 وأثناء وجوده بمعرض بيروت الدولي للكتاب وتحديدا بجناح "دار النهار"، أخبره صاحب الدار أن هناك كتابا مصريا يحكي فيه صاحبه عن تجربته في الجماعة الإسلامية، وكان يقصد "الدنيا أجمل من الجنة"، "عرضت الكتاب وقتها في أخبار الأدب وقد أثار الموضوع ضجة كبيرة لدرجة أن رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم طلب مقابلة خالد، وطلبت بعض القنوات التليفزيونية إجراء حوارات معه حول الموضوع، ولكنه احتراما لنفسه ولتاريخه رفض أن يتاجر بهذه القضية.

وتحدث خالد البري عن كتابه "الدنيا أجمل من الجنة" مشيرا إلى أنه سبب له مشكلة شخصية نظرا للأحكام المسبقة التي يطلقها الناس عليه بدون قراءة هذا الكتاب، فعنوانه دائما ما يحيل إلى صورة نمطية عن المثقف المتمرد على الثوابت والطقوس، ولكنه ليس أكثر من تجربة شخصية مهمة في تكوينه وتشكيل أفكاره.

وعن رواية "رقصة شرقية" أشار البري إلى أنه عندما بدأ في كتابتها كان يريد أن يكتب عملا كلاسيكيا، ولكن بطريقة مختلفة، فبدأ في كتابتها وأنجز جزءا كبيرا فيها، وبعد عام ونصف العام سُرق منه جهاز الكمبيوتر الشخصي الذي كانت عليه النسخة الوحيدة من الرواية، وكانت هذه صدمة كبيرة له تجاوزها فيما بعد، وبدأ في كتابتها من البداية حيث استغرق منه الأمر ثلاث سنوات لكي ينجزها، ولكنه بعد وقت اكتشف أنه بصدد إنجاز عمل مختلف تماما عن التصور الذي وضعه للرواية، وأخذ يعدل فيها إلى أن وصلت لهذا الشكل الذي طبعت عليه الآن.

وأكد الناقد د. محمد بدوي أن العمل مكتظ وضخم ويجب أن يقرأ بعناية وتأن كافيين لإدراك كافة جوانبه وكافة التفاصيل الموجودة به، لأنه عمل جدير بالقراءة، وألمح إلى أن كتاب "الدنيا أجمل من الجنة" كتبه البري من واقع تجربته ومستفيدا من خلفيته الصادقة، فالكاتب العربي بشكل عام دائما ما يكون مشغولا بخبرته الواقعية ولكن عامل "الصدق" هو الذي يفرق عملا عن آخر من حيث الجودة، وهو الأمر الذي استطاع خالد أن يفعله بمنتهى السلاسة في روايته.

وقال بدوي "تحول البري في (رقصة شرقية) إلى روائي محترف بعد العمل الثاني، وهو أمر نادر ما يحدث في هذه الأيام نظرا لأن بعض الكتاب يتباهون بأنهم يكتبون الرواية في أسبوع أو حتى أيام، أما خالد فتروى وأعاد الكتابة مرات عدة حتى خرج علينا بهذا العمل الممتع".

وعن مهمة الاحتراف هذه يشير بدوي أنها تأتي مع تزايد الخبرات، فـ "الدنيا أجمل من الجنة" هو خبرة شاب مصري صعيدي كان يتم إعداده ليصبح مجاهدا، "نيجاتيف" كانت شكلا من أشكال التدريب على كتابة الرواية، فحاول فيها صنع ضفيرة تضم بعض الخبرات مع بعضها، وخصوصا أن خبراته في هذه الفترة كانت قد زادت، أما "رقصة شرقية" فهي تريد أن تكون رواية محترفة، ولكنها لا تخضع تماما لشروطها، فقد نجد فيها مجموعة من القيم الموجودة في الواقع الثقافي العربي "حبكة، شخصيات، أحداث"، ولكن على الرغم من ذلك فكلها معتمدة على فكرة اللعبة.

وعن القيم الموجودة في الرواية، قال بدوي أن هناك العديد من القيم التي تجمعت لتصنع هذا العمل الممتع أولها "قيمة المتعة" فالمتعة ليست شيئا غريزيا، ولكنها مصنوعة، شخصياتها تنبض بالحياة وهي ليست رواية نخبوية بل يمكن أن تكون أشبه بالروايات البوليسية، قيمة الحبكة هي من القيم التي على وشك الاختفاء في كتابة هذا الجيل الجديد، ولكنها موجودة هنا وبشدة في هذه الرواية، أيضا من المهم الإشارة إلى أن البري في هذا العمل تخلص من آثار سيرته الذاتية، فهو ليس البطل الذي يحكي، بل لقد توصل إلى إمكانية قطع الصلة بين الكتابة وأحداث حياته وهو أمر بالغ الاحترافية.

أما وائل عبدالفتاح فأشار إلى أن تجربة خالد الكتابية هي المهمة بالنسبة إليه وليست تجربته مع الجماعات الإسلامية، فكتاب "الدنيا أجمل من الجنة" هو بمثابة رحلة من اليقين إلى الشك في محاولة معارضة لجيل الستينيات الذي كان يخوض رحلته دائما من الشك إلى اليقين.

"الحكاية بالنسبة للبري هي عبارة عن سلة معرفة تجمع شتات الأشياء في محاولة منه للاحتراف، وهي أيضا محاولة منه لوصف الخذلان من المؤسسات الكبيرة الذي تعرض له أبطال الرواية، فهم هربوا من المؤسسات التقليدية ليلتحقوا بصناعة الفكر والرؤية، وحتى في هذا لم يحققوا نجاحا وواجهوا خذلانا عظيما ، فـ "رقصة شرقية" هي محاولة لصنع ملحمة ولكن بسخرية.

ورأى المترجم مصطفى فهمي أن عنصر التشويق جاء متأخرا، ولذلك فبالنسبة له فإن بداية العمل كانت مملة، وأخذ على الكاتب أن كتابته ذكورية، وأن النساء لا بد وأن يكون لهن دور أكبر في هذا العمل، فأدوارهم كلها ثانوية جدا، وفي الغالب يقوم الرجال بتحريكهم والسيطرة عليهم، وأضاف "كان لا بد للكاتب ألا يكون صريحا في استخدام بعض الألفاظ الجنسية، وأن يستخدم الألفاظ الموحية، حيث لا يوجد أنه مبرر درامي لذلك".

وأشاد الشاعر أشرف يوسف بالعمل مشيرا إلى أن خالد يعرف تماما كيف يوجه عمله، فهو يتوجه للمجتمع العربي بالأساس بكل مفاهيمه ومعطياته ولا يتوجه للمجتمع الغربي الذي يعيش فيه فهو متسق مع ذاته تماما فيما يخص ذلك، وقال "كان سلسا في كتابته ولم يمارس دور الرقيب على نفسه وترك نفسه للعمل من أجل متعة الكتابة فقط، وهذا الشيء أصبح من النادر جدا حدوثه الآن، لقد ألغى من قاموسه الكلمات "غير المحتشمة" كما يسميها البعض، والواردة في هذه الرواية كبيرة الحجم ضد فكرتي (الكتابة النظيفة) و(الروايات التيك أواي)، فالكنز الحقيقي بالنسبة لنا كقراء هو الرواية كما قال الناقد الراحل رجاء النقاش عن رواية (موسم الهجرة إلى الشمال).

وانتقد محمد فرج الصحفي بجريدة أخبار اليوم الرواية حيث رأى أنها كبيرة أكثر من اللازم، وكان هناك الكثير من الأشياء التي يمكن اختصارها أو حتى عدم ذكرها، مضيفا أن استطرادات الشخصيات كانت بالنسبة له غير مبررة، حيث أنها يمكن أن تكون أعلى من وعيهم المفترض تقديمه في الرواية، مما يؤدي إلى حدوث إرباك لدى القارىء.

وتساءلت د. فاطمة البودي عن سر اهتمام الكاتب باللون البيج في الرواية، وعقب خالد البري أنه كإنسان من الصعيد فاللون البيج بالنسبة له هو لون التراب "رياح الخماسين" في فترة ما قبل الربيع، فاستخدامه لهذا اللون إنما يعبر عن ضيق عن إحساس بالاختناق فهو بالأساس لون باهت، أما عن استطرادات اللغة فيرى أنها مهمة من وجهة نظر الكاتب في نظرته للشخصيات وأفكارهم واضطراباتهم الشخصية، مما يعطي مبررا لكتابة هذه الاستطرادات، وأكد خالد أنه في روايته هذه قام بعمل تحدّ ونجح فيه فهي "تحدّ للقيم المسبقة"، وقد اعتمد في هذا على اللعبة التي قدمها في الرواية، بالإضافة إلى كونها رواية ساخرة على حد قوله.