اقترحت عليه الراقصة أن يفعل مثلها
كتبنا المسروقة تعرض على أرصفة الإنترنت!
إنها قضية معقدة لها جوانب فنية واقتصادية وقانونية ولها نصابون جدد يحسنون ترتيبات الاحتيال عبر الإنترنت.
بينما العالم كله يجتهد ليحفظ للمبدعين والمفكرين حقوقهم التي يستحقونها كمقابل لما أنتجوا وأبدعوا، نفاجأ بأن ثمة من بني جلدتنا، من يتحايل ليأكل حقوق هذه الفئة "المهضومة" في بلادنا، وأقصد مهضومة الحقوق، بمعني أن هناك من "يأكل" و "يهضم" نيابة عنها، أو بدلاً منها. تماماً كالعلاقة بين العائل والطفيل. وفي معظم الأحيان يكون العائل معدوم الحيلة أمام طغيان الطفيل وجبروته، كذلك فإن المبدع. وأخص هنا طائفة الكتاب في بلادنا، مهضومون بمعنى أن المقابل المادي الذي يقدم لهم، ويتحصلون عليه فعلاً، ضئيل جداً. وفي معظم الأحيان يكون تقديره قد تم على أساس أسعار الحياة منذ نصف قرن مضى. فكل فئات الموظفين تحصل على علاوات دورية وبدل غلاء، وبدل مخاطر مهنة، وحوافز إضافية، وعشرات من أنواع الزيادة في المرتبات، بينما المؤلف أو الكاتب واقف عند حد الجنيهات القليلة التي يعجز عن أن يغير بها عدسات نظارة القراءة! ولعله من المخزي أن نجد أفضل فئات الكتاب في مصر لا يتعدي أجرهم عن نشر عمل أدبي أو مقال في دورية حكومية أو غير حكومية مئات قليلة من الجنيهات، في أحسن الأحوال. ولعل ذلك هو ما دعا الراحل الدكتور يوسف عزالدين عيسي إلى أن يكتب في مفكرته بالأهرام، منذ سنوات طويلة مضت، مقارنا بين ما يتقاضاه، وهو الأستاذ الجامعي والأديب والكاتب بالأهرام، في شهر كامل، وبين ما تتحصل عليه راقصة في ليلة واحدة، من جراء هز بطنها. وقد ردت عليه الراقصة فاقترحت عليه أن "يفعل مثلها"! وإذا رضينا بهذا النمط من "الهضم" لحقوق الكتاب، وجدنا أنفسنا أمام "هاضمين" آخرين، وعصريين. فهم يستخدمون معطيات التكنولوجيا الحديثة في "التطفل" على الكتاب، في ظاهرة تستحق أن نتوقف حيالها، وسوف أعرضها من منظور حوادث وقعت لي شخصياً، ولكني وجدتها متكررة بين العديد من الزملاء الذين "ركنوا" إلى الصمت! تبدأ الحكاية أثناء جولة لي بشبكة المعلومات الكونية (الإنترنت) حيث وجدت موقعين يعلنان عن بيع كتب من تأليفي: 1- موقع "مكتبة دوت كوم almaktabah.com". ويعرض لي كتابين. هما: غدا القرن 21 ومسائل بيئية. بسعر دولارين للنسخة. والكتابان من إصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب. وصدر الأول في 3 طبعات، منها طبعتان في مشروع مكتبة الأسرة. والطبعة الأولى في سلسلة العلم والحياة. وقد نفدت جميع الطبعات. كما نشر الكتاب الثاني في السلسلة المذكورة، ثم في مكتبة الأسرة، وقد نفدت جميع الطبعات. 2- موقع "نيل وفرات". ويعرض هذا الموقع خمسة كتب لي، هي: حكايات خضراء. كعكة من جليد. الأرض شفاها الله. أجراس الخطر. اركبوا دراجاتكم. قوائم البيع تتضمن مئات العناوين لمفكرين وكتاب مصريين من مختلف دور النشر، تنتظر البيع كنسخ ورقية "أصلية أم مزورة؟.. الله أعلم!". وقد خاطبت "الأشباح" في الموقعين، فكان طبيعياً ألا أجد رداً، فتوجهت بالخطاب إلى اتحاد الكتاب، وبعض الجهات الناشرة، على أساس أنها تشاركني الهم، واتحاد الناشرين العرب، وإن كنت ترتيبا على مواقف سابقة، لا أتوقع رجاء من كل هؤلاء. إنها قضية معقدة، لها جوانب فنية واقتصادية وقانونية، وربما أمنية. ولها سراديب معتمة، وسكك شقها نصابون جدد، يحسنون ترتيبات الاحتيال عبر الإنترنت. والحق أقول: أنا لا أستطيع التصرف كفرد أمام هذه الظاهرة. كما أنني لا أدري إن كانت تجارة كتب مشروعة أم أن وراءها شبهة تزوير. لذلك فإنني أدعو الجهات ذات الصلة - وقبلها الرأي العام - أن تتقدم وتكون إيجابية وتضطلع بمسئولياتها تجاه المبدعين
بقلم: رجب سعد السيد